0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

ما زال الرفاعي كاتما للأسرار

زيد الرفاعي رئيس الوزراء الأسبق،شافاه الله،هذه الايام،من السياسيين المخضرمين،والذي يعرفونه عن قرب يعرفون انه لم يكن عابراً في تاريخ المملكة السياسي،على المستوى الداخلي والدولي ايضا.
الفروقات بين سياسي وآخر،لا ترتسم بمجرد الزعم والادعاء،وفرادة أي سياسي تكمن في قدرته على الحكم من جهة،وذهنيته الاستشرافية،وتقديراته لأي واقع،وبدون هذه السمات،يكون السياسي موظفاً فقط،وقد كان لقبه كاتم أسرار الملك الراحل.
زرت الرفاعي وكنا آنذاك مازلنا طلبة في السنة الثانية في صحافة جامعة اليرموك،وصدام حسين،تورط لتوه في الكويت،وبحماسة لا تختلف عن حماسة كثيرين،سألت الرفاعي في بيته،عن مصير صدام حسين والعراق،بعد هذا الاجتياح،وكنت أنتظر ان أسمع إجابة حول الانتصارات المقبلة،باعتبار ان صورة صدام آنذاك أجمعنا كلنا على انها تظهر على القمر؟!.
يومها قال الرفاعي بتكثيف شديد والعام 1990 ومنتصف الشهر التاسع كان موعدنا،ان العراق دخل أسوأ مرحلة في تاريخه،وان ما جرى كان انتحاراً للنظام وللعراق،وان التداعيات ستكون سيئة جداً على العراق وكل المنطقة.
لم أرض بالجواب،لان الفرق بين السياسي المخضرم،والجمهور العادي،يكمن في هذه النقطة بالذات،أي التحليل العميق وقراءة الواقع والمستقبل،وقد احتجنا الى سنين طويلة حتى نتأكد ان نحر العراق بدأ إثر ذلك الاجتياح وان قراءة الرجل كانت دقيقة تماماً.
هذا نموذج بسيط.قصة اخرى ولا نريد الاستغراق في حكايات ذاتية،اذ سألت الملك الراحل الحسين بن طلال امام ضيفه رئيس الحكومة البريطانية في الديوان الملكي اذا ما كان الاردن سيعلن فجأة قرار العودة عن فك الارتباط مع الضفة الغربية؟!.
يومها نفى الملك القصة،وارتسمت على وجهه علامات استياء من السؤال،وهو ما سمعته من ذات الرفاعي لاحقا،حول ان العودة عن هكذا قرار بشكل مفاجئ،خفة سياسية،لا يمكن ان يقوم بها الاردن،والخفة السياسية،مصطلح فريد وذو معنى.
زيد الرفاعي،من السياسيين المخضرمين في الاردن،وهو يكاد يكون من أبرزهم،غير انك تأخذ على السياسيين عدم روايتهم لأسرار مراحل سابقة،واختيارهم للصمت،بدلا من المكاشفة،وللصمت هنا كلفته،كما للمكاشفة كلفتها.
هذا الكلام على تبريراته،يذكي في حالات كثيرة موجات التطاول التي نسمعها احيانا تجاه الدولة،وتجاه ارث السياسيين والرموز في البلد،من جانب معلقين لم يخبروا هذه المراحل،وباتوا أسارى للانطباعات والاشاعات ايضا.
الدولة الاردنية لم تصمد كل هذه العقود،لولا الشعب اولا،ثم رموز سياسية مهمة جداً،لعبت دوراً في تواقيت حساسة،وهي رموز لم تكن عابرة،على الرغم من انها تتفرج اليوم على مشهد توزيع شهادات حسن السلوك،او سوء السلوك،وهو مشهد لا يخضع لأي اسس،سوى الحب والكراهية،القيل والقال،سمعنا وعلمنا،وللانطباعات التي يتم تصنيعها بوسائل كثيرة.
زيد الرفاعي شافاه الله من وعكته الصحية،سياسي مخضرم،بلا شك،ورجل فريد من الرجال الذين كانت لهم بصماتهم السياسية في الاردن،ويكفيه انه كان مثل عدد آخر من الرجال،وقفوا في وجه العاتيات،ولم يتخلوا عن الدولة ولا عن واجباتهم،في ظل قدرة هائلة على الصبر والاحتمال،وهي قدرة فذة خصوصا حين لا تتراجع درجاتها في كل المراحل.
لم أعرف رجلا في حياتي،يحتمل ايضاً وبنبل بالغ الخصومات السياسية،ولايجرها على كل التفاصيل  مثل هذا زيد الرفاعي.
قبل عامين وفي افطار رمضاني قال الرفاعي بحضور رئيس حكومة آخر،وكنا على الافطار عن المشهد السوري..(الاسد قوي حتى الان،وهو صلب،ولن يسقط بسهولة،وسيبقى في موقعه،ما لم يخنه الايرانيون عبر صفقة مع الامريكيين تؤدي الى التخلي عن نظام الاسد،وعندها سيسقط النظام،وبدون ذلك،فان النظام قوي،ولن يسقط بالسهولة التي يتخيلها كثيرون،لان المؤسسة الحاكمة قوية ، ولحسابات كثيرة،داخليا،وخارجيا بما فيها السلسلة الدولية التي تدعمه مثل بكين وموسكو).
بعد عامين تتبدى فرادة الرجل ورؤيته الثاقبة،فمازال الاسد يجلس على عرش دمشق،والرفاعي لحظتها لم يكن يعلن اصطفافا مع الاسد بقدر تحليله للمشهد الاقليمي والدولي،وهو ما يحدث فعلا.
في الاردن اسماء كثيرة ذات بصمات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية،غير ان علينا ان نتخلى عن ثقافة تكسير الاسماء،وان نعود وبحياد،ليس اكثر،الى اعادة قراءة تاريخ الاردن ورموزه،بدلا من سلبنا طوعا،كل موروثنا وذاكرتنا ايضا.
لعل وعسى!.