الرابحـون والخـاسـرون في «صفقة الكيماوي»…وما بينهما
ثمة فائزون في صفقة كيري-لافروف، وثمة خاسرون، وفي منطقة رمادية وسط، بين الربح والخسارة، تقبع أطراف أخرى، دولٌ ومنظمات، فكيف تظهر ردود الفعل على الاتفاق، صورة المعسكرات الثلاثة.
الرابح الأكبر الأول، في صفقة جنيف، هي: روسيا والرئيس بوتين شخصياً، فقد أظهرت وأظهر قوة وحزماً يليقان بدولة عظمى تسعى الى استعادة حضورها على المسرح الدولي كقطب لا يمكن تجاوزه، وتمتلك من الخبرة والحنكة الدبلوماسيتين، ما يجعلها “عنصراً إيجابيا” في العلاقات الدولية، ومحطة إجبارية لا بد من التوقف فيها حين يتعلق الأمر بمعالجة كثير من الأزمات الدولية.
الرابح الأكبر الثاني، هو إسرائيل، فقد أمكن لها أن تتخلص من مخزون النظام من الأسلحة الكيماوية، دفعة واحدة، وبجرة قلم، ومن دون أن تدفع قطرة دمٍ واحد نظير ذلك … يليها في قائمة الرابحين، الولايات المتحدة، الراعي الرسمي لأمن إسرائيل وتفوقها، وثمة مروحة من “أصدقاء إسرائيل” يمكن إدراجهم في هذه الخانة.
الخاسر الأكبر في اتفاق لافروف-كيري، هو المعارضة السورية المسلحة، وتحديداً الائتلاف والمجلس العسكري … هذه القوى التي ربطت “نضالها الثوري” بحسابات التدخل الخارجي، وانتظرت طويلاً جحافل الأطلسي وطائراته وصواريخه “الإنقاذية”، تبدو اليوم في أسوأ حالات الإحباط والإحساس بالخذلان … لقد تبدد الوهم دفعة واحدة، وظهر أن الغرب معني بأمن إسرائيل أكثر من اعتنائه بمستقبل سورية ومصائر السوريين، -دع عنك مصير الجربا– إدريس.
ومن خلف المعارضة، ثمة “طابور” من الخاسرين المأخوذين بصدمة “اتفاق الكيماوي”، في صدارتهم رئيس الحكومة التركي رجب طيب أردوغان، الذي ما كان يقبل بضربة محدودة أو ضيقة، مفضلاً التجييش لحرب شاملة لا تبقي ولا تذر … هو اليوم مضطر للعيش والتعايش مع الأسد، حتى أواسط العام المقبل على أقل تقدير، وسيداهمه استحقاق الانتخابات الرئاسية فيما الأسد باقٍ في عرينه، في دلالة لا تخطئها العين على فشل سياساته في سورية، وهو الذي ما انفك يعد أيام الأسد الأخيرة، ولطالما توعد وهدد بـ “نفاذ صبره”.
دول عربية طالما شاركت تركيا بحثها على تطوير الضربة الأمريكية إلى حرب شاملة ومناطق حظر وتغيير لقواعد اللعبة في سورية … كل هذا تبدد بضربة كيري-لافروف، وعلى هذه الدول أن تنتظر مزيداً الوقت، فوق الوقت الذي قضته وهي تجلس على صفيح الأزمة السورية الساخن.
ولا تقل خسارة فرنسا عن خسائر هؤلاء … اولاند –فابيوس، يجهدان اليوم في “البحث عن موطئ قدم” تحت شمس الأزمة السورية الحارقة، بعد أن شعرا بالخيبة والمهانة مرتين: الأولى بقرار الرئيس الأمريكي إحالة ملف الضربة العسكرية إلى الكونغرس تاركاً الرجلين في وضع لا يحسدان عليه أمام شعبهما والعالم، والثانية باستبعاد فرنسا كلياً عن محادثات كيري-لافروف، وهي التي انفردت بتزويد أوباما بكل ما يحتاجه وهو يعد العدة للذهاب إلى ميادين الحرب والقتال … ولهذا ليس غريباً أن يُعبّر كل اثنين من ثلاثة فرنسين عن عميق استيائه من أداء إدارة بلاده للملف السوري والذي اتسم وفقاً لكثير من المراقبين، بالخفّة والرعونة.
في منزلة وسط بين منزلتي الربح والخسارة، يندرج النظام السوري، الذي وإن نجح بكسب المزيد من الوقت، وإرجاء الضربة العسكرية أو إلغائها، إلا أنه يحتاج لكثير من “الصلف” و”الادعاء” لإعلان النصر، فقد تخلى النظام عن “عنصر توازنه الاستراتيجي” مع إسرائيل، والتحق تحت سيف الضربة العسكرية بمعاهدة عدم الانتشار، وفتح بلاده للمفتشين والفرق الدولية يجوبونها طولاً وعرضاً بحثاً عن “الكيماوي”، وبدّد إلى حد كبير، ما تبقى من صورة “النظام المقاوم والممانع”، فقد اتضح لكل أعمى وبصير أن النظام يقود معركة بقائه لا معركة “المقاومة والممانعة”.
في هذه المنزلة، يندرج أيضاً حزب الله وإيران، لا لأن النظام السوري قد وضِع على سكة “نزع السلاح والتوازن الاستراتيجي” فحسب، بل لأن ما حصل في سورية، قابل للتكرار (أقله نظرياً) في إيران، ومبادرة روسيا الكيماوية قابلة للتكرار و”إعادة الإنتاج” إيرانيا على شكل مبادرة نووية، وربما مع الإحالة إلى الفصل السابع، أو التلويح بذلك، تماماً مثلما حصل مع سوريا في جنيف قبل أيام.
المشهد السوري، كما هي أزمات المنطقة وأحداثها، قابل للتبدل والتغير بين عشية وضحاها، وما يبدو اليوم ميزاناً واقعياً للربح والخسارة، قد لا يظل كذلك بعد أيام أو أسابيع قلائل، فمن كان يعتقد على سبيل المثال، أن القنبلة التي فجّرها الرئيس الروسي غداة قمة العشرين في قمة سان بطرسبورغ، ستحدث كل هذه التحولات والاستدارات في المشهدين الإقليمي والدولي؟