عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

مجتمع أطباء وسياسيين

مجرد ان تهمس بوجع خفيف او تتحدث عن حالة مرضية عانيت منها , حتى تتلقى عشرات النصائح الطبية والوصفات العلاجية من الحضور الكريم الذي يتبرع بتقديم خبراته الطبية مجانا ويمنحك اسماء ادوية ظهرت حديثا او وصفات مجرّبة ومُختبرة , ويكمل المسلسل بالحديث عن تجارة الطب واسعار العلاجات المرتفعة وباقي مسلسل الغضب الذي يحمل الكثير من الحقيقة , ومعظم الحديث يُشير الى رغبة اردنية جامحة بدراسة الطب لولا المعدل في الثانوية العامة , فكلنا يفهم في الطب ويستطيع تقديم الخدمات العلاجية .
واقع المجتمع يبدو انه انعكس على واقع الطب الاردني الذي يحقق كل يوم تقدما ملحوظا من حيث كفاءة الكوادر الطبية او تعداد المستشفيات والسُمعة الطيبة بين الاشقاء العرب وحتى الاقليم بحيث اصبحنا منارة طبية يقصدها الكثيرون وبات لدينا سياحة علاجية تنتظر وزيرا قادرا على التقاط التفاصيل لتطوير الاماكن وتوفير البُنى اللازمة لرفد الدخل القومي بالمليارات دون مبالغة .
احساس الاردنيين بأنهم اطباء أثمر واقعا طبيا متقدما على عكس الضلع الثاني لاهتمام الاردنيين وهو السياسة , التي لا تغيب عن كل مناسبة “ فرح او ترح وحتى الطهور “ ولا تجد اردنيا لا يتحدث في السياسة بعمق كما يفترض , وفي كل القضايا المحلية والاقليمية والعالمية , من اول ثقب الاوزون الى اخر نشرة بورصة , فنحن سياسيون واقتصاديون ونستطيع تحليل الاخبار ومنح الاستشارات للعاملين في السياسة بل وتصدير الاراء السياسية للاشقاء العرب , فالملف المصري يستأثر بحضور دائم والملف السوري كذلك وحتى الملف اليمني اذا ما فتحت طاريه ستجد من يبدي رأيا ويحمل موقفا ويقدم اقتراحا للخروج من المأزق .
كلنا يعرف الحقيقة وتتكرر كلمة “ صدقني “ اكثر من مرة , وكلنا تابع نشرة اخبار من محطة فضائية وانحاز لها فصارت النشرة كتابا اكاديميا محصّنا من النقد والنقاش , وكلنا يتمترس خلف موقفه ولا يقبل الرأي الاخر وكلنا يؤيد فريقا بل نحن نُسيّس الرياضة والفن وموقف الباص ونظافة الشارع , فكل حَدث او قصة لها تحليلها الخاص وكل مُتحدث له مصادره التي تقول له الحقيقة المطلقة .
بالمقابل نحن مجتمع هو الاقل مُشاركة في الانتخابات وربما هو الوحيد الذي يعتبر يوم الانتخابات يوما للتثاؤب الوطني ومواقد الشواء والرحلات خارج العاصمة , بل خلال الرحلة نتحدث عن السياسة وعن مجرى العملية الانتخابية التي نغيب عن مجرياتها , والانكى ان غداء حفلة زفاف لابن شخصية سياسية يفوق المشاركون فيه تعداد المشاركين في انتخابات مجلس بلدي لمحافظة او لدائرة من دوائر امانة عمان , علما بأننا نكون قد الهبنا ظهر المعزّب بسياط النميمة والانتقاد اثناء الوليمة وقبلها وبعدها .
علاقتنا بالطب والسياسة علاقة غريبة لا تجدها في بلد آخر , ومنسوب حديثنا عن المجتمع الاردني وتماسكه وثوابته تفوق اي حديث , في حين اننا ننتهك كل ما نقول في نفس الجلسة او بمجرد خروجنا الى سياراتنا , نكره الواسطة وسرعان ما نركض نحو النائب او المدير كي يستثنينا من طابور طلب هوية الاحوال او غيرها من المعاملات , نريد محاسبة الفاسدين ونحن نصنع من كل نائب او مدير , مشروع فاسد بكثرة الطلبات والاستثناءات التي نطلبها , فكل حارة بحاجة الى نائب وعضو مجلس بلدي ووزير لتنفيذ مطالبها .
المجتمع الاردني يمر الآن في مرحلة انقلاب قيمي وانقلاب على ارثه وتراثه وكل ذلك وسط صمت مريب من المؤسات العامة والمجتمع المدني الذي بات اسيرا للمجتمع وليس مطوّرا له , فكل احاديثنا عن السياسة لم تنجح في تخليق حزب برامجي واحد او توليد سياسي محترف على عكس الواقع الطبي , واذا لم نراجع ادبياتنا التعليمية والتربوية والاجتماعية فسنكون حالة عصية على التطور والتحديث وسنبقى نتحدث عن الفضائل ونمارس اعنف اشكال التناقض والبداية من الاجهزة الرسمية ومؤسسات الدولة بأن تفعل ما تقول فقط .