صفقة لتجنب الحرب
قيل ان موقف البريطانيين،الذي تجلى بمنع مجلس العموم البريطاني،لحكومة كاميرون،التورط في اي حرب ضد سورية،كان يعني عمليا رغبة واشنطن الخفية بتجنب الحرب،ومحللون اعتبروا بالمقابل ان موقف لندن يعني حسابات بريطانية معزولة عن واشنطن.
موقف لندن كان كلمة السر في موقف واشنطن،التي واجهت اضطرابا دوليا كبيرا يمنعها بهذه البساطة من الذهاب للحرب،وليس ادل على ذلك،من قدرة الرئيس الامريكي على اتخاذ قرار الحرب منفردا،الا انه قرر ان يذهب الى الكونغرس لاعتبارين،اولهما حتى لايتحمل كلفة الحرب منفردا،وثانيهما ان ممانعة قد تستجد في الكونغرس تعفيه من هكذا ضربة.
حسابات الحرب اتضح انها مكلفة جدا،فأذا سقط الاسد فأن ورثته اكثر سوءا،واذا صمد الاسد تضررت امكانات الحل السياسي بعد الضربة،واذا تم تركه على حاله،فأن المعضلة تتعلق عمليا بمخالب النظام السوري اي السلاح الكيماوي.
كي يتراجع الرئيس الامريكي عن الحرب لابد من ثمن تقبضه واشنطن امام الشعب الامريكي وامام العالم بعد طبول الحرب المتواصلة،وهدف الحرب اضعاف النظام،عبر تدمير منظومته التي تؤهله لاستعمال السلاح الكيماوي،ولذلك كان الحل بالوصول الى صفقة تؤدي الى ذات غاية الحرب،اي تسليم السلاح الكيماوي،والسيطرة عليه وتدميره،بتوافق مع النظام،بدلا من الحرب.
هذا يفسر التوافقات التي برزت بشكل متسلسل في تصريحات الرئيس اوباما ووزير خارجيته،وموسكو ودمشق ومشروع فرنسا لنزع السلاح الكيماوي،وهذا يعني ان كل الاطراف تريد تجنب الحرب،عبر نزع السلاح الكيماوي،فالحرب تستهدف ذات الغاية،واذا امكن تحقيقها عبر صفقة دون حرب،فهذا ماتريده اطراف كثيرة حتى تتراجع عن بوصلة الحرب المكلفة.
في حسابات واشنطن مخاوف من الحرب،لان لاضمانات ان تبقى محصورة،ولاضمانات ألا تمتد نيرانها الى الخليج وكل الاقليم،وان تصل نيرانها الى اسرائيل المذعورة من السلاح الكيماوي بالمحصلة،وتريد التخلص منه،سلما او حربا.
نحن على الاغلب امام صفقة.قد تنجح وقد لاتنجح.لان واشنطن لن تسمح بمراوغات من جانب دمشق الرسمية،كالمماطلة في التفتيش على السلاح الكيماوي او اخفاء كميات منه،او اعادة تصنيعه،او نقل جزء منه الى ايران او حزب الله.
هذا يعني ان دمشق بإمكانها تجنب الحرب ايضا،اذ تخلت عن السلاح الكيماوي،غير ان هذا التخلي مكلف ايضا،فماهي الضمانات بعد تسليم السلاح الكيماوي،ان لاتتم تقوية المعارضة السورية بحيث لاتخاف من الكيماوي،وبحيث تشتد حملاتها ضد النظام؟.
ثم ماهي الضمانات ان لاتحدث ضربة عسكرية في وقت متأخر بعد تسليم الكيماوي،بحيث تأمن واشنطن لحظتها من عدم وجود اسلحة كيماوية قد يتم استعمالها ضد اي قوة عسكرية،وضد دول الجوار واسرائيل ايضا؟!.
ماهي قدرة نظام دمشق الرسمية على الاقرار بوجود كميات كبيرة من الاسلحة الكيماوية،وكيف سيتم التنصل من مسؤولية استعماله في الغوطة،خصوصا،ان واشنطن قالت ان الاسد هو الذي اعطى الامر شخصيا بأستعمال هذا السلاح؟!.
اذن هي تسوية مؤهلة لان تنجح،لكنها ايضا تخفي في باطنها اخطاراً اخرى،فقد تكون خطوة استدراجية مؤقتة،لها مابعدها من استحقاقات،وقد تكون بوابة لحل سياسي شامل،خصوصا،ان تسليم الكيماوي قد يؤدي الى اشتراط دمشق هنا وقف دعم المعارضة السورية،ووقف تمويلها وتسليحها،ولايمكن ان ُتسلم دمشق الكيماوي دون ان تقبض الثمن هي ايضا.
خلاصة الكلام اننا امام صفقة جذرية،تريدها واشنطن وتريدها دمشق،ويريدها الاقليم،غير ان هذه الصفقة قد تجنبنا خيار الحرب مؤقتا،وقد تؤدي في المحصلة الى حل سياسي شامل،وقد تكشف انها كانت مدخلا لسحق النظام السوري بعد خلع اظافره.
السوريون يشتهرون بقدرتهم الفذة على التفاوض،والارجح انهم اذا عقدوا هذه الصفقة فهي ستكون صفقة متكاملة،وليس مجرد خطوة تكتيكية لتجنب خيار الحرب،والساعات القليلة المقبلة فاصلة سرا وعلنا،للرد على السؤال حول مآلات المنطقة.
ماتريده اسرائيل في سورية تحقق في كل الحالات،تدمير البلد واقتصاده وبناه وشعبه لالف عام،ثم نزع سلاحه المتفرد،وهي غاية تحققت حربا وسلما،وهذه تجربة فريدة تقول ان المزج بين الحرب والسلام،يؤدي الى ذات النتيجة في حالات كثيرة.