ديمقراطية أثينا وروما..
تاريخنا العربي، من أكثر تواريخ الشعوب اعتمادا على الحكاية – ربما يكون للعقلية القمعية للحاكم العربي ما أوجب ذلك-، كما أنه من اكثر التواريخ المكتظة بالسخرية بأنواعها المتعددة، اننا اكثر الشعوب نغاشة ، ولا تتوهموا على كشراتنا المعتمدة، التي تسللت الى شيفراتنا الوراثية في ليلة ما فيها ضو قمر.
تقول الحكاية أن حاكما شرقيا سمع عن طريق التجار بديمقراطيات أثينا وروما وما شابهها ، فقرر أن يصطنع لنفسه ديمقراطية مثلها على سبيل التسلية وقتل الوقت ، لكنه أرادها ديمقراطية تتناسب مع تاريخ شعبه وأمته وغير منقولة عن تجارب أخرى.
قام الحاكم بتشكيل مجلس شعب من ثلاثين شخصا وقسمهم إلى فلقتين متساويتين في العدد. حيث يجلس نصفهم عن يمينه ونصفهم عن يساره ….. وهو مجلس دائم الانعقاد ما دام الحاكم يجلس على الكرسي.
وكان الحاكم كلما تعرض عليه قضية أو مشكلة أو اقتراح من الوزراء والمستشارين، كان بعد الاستماع إلى جميع الآراء ، ينظر إلى اليمين ، فيقول جميع أعضاء المجلس في هذا الاتجاه : نعم .. بصوت واحد. وكان إذا أراد رفض المقترحات ينظر إلى الشمال ، فيقول جميع أعضاء المجلس القابعين هناك … يقولوا…. لا .
إذ أن دور أعضاء المجلس كان ينحصر – حسب الديمقراطية الشرقية – في قول كلمة: نعم .. إذا نظر الحاكم إلى اليمين، وقول ..لا .. إذا نظر الحاكم للشمال. وسارت الأمور على خير وهدأة بال إلى أن سئم الحاكم من ديمقراطيته تلك.
سئم الحاكم خصوصا بعد أصابته ب(ديسك) في الرقبة جراء التطلع يمينا وشمالا ، فألغى المجلس، وقرر أن يحرق هؤلاء الذين تحولوا إلى تنابل ، فوضعهم في دائرة عظيمة وأوقد حولهم النار … فلم يحاول أحدا منهم النجاة… إذ أنهم لا يعرفون سوى قول نعم ولا حسب نظرة الحاكم . وهكذا ظلوا حتى خمدت النار فنجا منهم من نجا ومات منهم من مات . أعجب الحاكم بشجاعتهم وإخلاصهم فجلبهم لإضحاكه وتسليته .
وأثناء إنشاء الإمبراطورية العربية التي اجتاحت فيما اجتاحت أراضى حاكمنا ذاك ، صارت إقطاعياته جزءا من الإمبراطورية العربية الكبرى … وبهذه الطريقة تسلل التنابلة إلى إرجاء الإمبراطورية العربية واختلطوا مع العرب العاربة والمستعربة والمستغربة، ولم تعد تفرقهم من بعض بعد أن اختلطوا في انساب الشعوب والقبائل العربية .
خذوا هذه المعلومة بعين الاعتبار ، حينما تفكرون في لوم بعض الأنظمة العربية على موقفها من قصف سوريا، حيث يخلطون بين مصالحهم الشخصية والنظام السوري (لا استطيع الدفاع عنه فعلا)، وبين قصف وطن عريق وشعب اكثر عراقة ، تجري في عروقنا وعروقه ذات الدماء……انهم فعلا كما قلت لكم.