إرهاق الدولة الحاضنة
المرونة كانت ميزة الإسلاميين الطاغية على شخصيتهم عبر عقود فائتة،والتكيف مع المتغيرات واعادة التموضع،سمات اساسية،فلم تكن الحركة جسما خشبيا قابلا للكسر،جراء فهمه لخصوصية احتضانه.
بسبب هذه الميزة تمددت الحركة الاسلامية في الاردن،وكانت مقبولة من النظام والناس،على حد سواء،والحركة الاسلامية لم تكن في وارد الصدام مع الدولة، بكل مكوناتها من مؤسسات وشعب ومعادلات،ولا..في وارد اخافة الناس من الاصطدام الذي قد يأخذ البلد الى مواجهة دموية.
الحركة كانت تفهم معنى أردنيتها،في ظل أنظمة عربية ثورجية شربت دم الاسلاميين،وقتلتهم بالالاف وهتكت حرمة بيوتهم واعراضهم،فكانت اردنية الحركة هنا استحقاقا له معناه،فلا مشروعية للغدر في الظهرابدا،فالوفاء للدولة الحاضنة يوجب عدم السعي لهدمها او تفكيكها.
تفتقد الحركة الاسلامية اليوم لهذه المرونة،ولو قامت الحركة في الاردن بقراءة معادلتها الشعبية،من جهة،والبنى التحتية داخل الحركة وبروز اتجاهات انشقاقية،مع قراءة متغيرات الاقليم من تجربة الاسلاميين في مصر،مرورا بحرائق دول الجوار في سورية ولبنان والعراق وفلسطين،وكل المشهد الاقليمي،لما واصلت الحركة ذات الخطاب،وذات الاتجاه من الاصرار على المسيرات والتصعيد واصدار البيانات لاي سبب،ولتراجعت قليلا الى الوراء،واعادت قراءة كل المشهد،فلم يعد محتملا ان تدفن الحركة وجودها تحت وطأة الاعتقاد ان في هذا قوة وشجاعة وعدم تراجع عن المبدأ.
هل يعقل ان تواصل الحركة ذات التكتيك والاستراتيجية،وهي ترى انفضاض الناس عن المسيرات والمظاهرات،هل يمكن ان نعتبر هذا الاصرار دلالة على الشجاعة ام على ضعف البصيرة،والحركة تعرف ان تجربة الاسلاميين في مصر مثلا،مفيدة،على الرغم من مرارة الانقلاب،لان على هامش التجربة أسئلة قاهرة لابد من الوقوف عندها؟!.
من ابرز التساؤلات ذاك المتعلق بتأثير المكونات الاخرى في اي بلد،وتأثيرات الدولة العميقة،ومصالح الناس،واتجاهات القوى الاجتماعية والدينية والعائلية والمدنية والعسكرية،وقوى المال والاعلام،والفرق بين الشراكة والحكم المطلق،وغير ذلك من دروس لايجوز تجاوزها بذريعة ان ماحدث كان انقلابا،لان الاستغراق في المظلومية،لايلغي الدروس الاخرى المستفادة من هذا المشهد،وضجيج الانقلاب لايخفي الاستنتاجات الاخرى؟!.
لابد ان تقف قيادات الحركة الاسلامية في الاردن،قليلا،لتعيد قراءة مشهدها الاردني،بكل تعقيداته،ولتراجع اسلوب عملها،وافعالها السياسية،لانه لايمكن ان نفهم ان يواصل السباح ابحاره فيما ارتفاع الموج بات اضعاف ارتفاعه،وهذا لايعبر عن فرادة سياسية،بل عن سوء تقدير عز نظيره،في الاردن الذي تعد تركيبته الداخلية بالمناسبة اكثر تعقيدا وحساسية من مصر.
لابد ان تعيد الحركة الاسلامية في الاردن قراءة كل ادبياتها،وافكارها،واسلوب حركتها الميداني،وعلاقتها بالدولة والناس،لان هذه المراجعة ستؤدي في النهاية الى مصالحة،بدلا من عزل الحركة على المستوى الرسمي والشعبي،وهذا عزل مؤسف،تسببت به اطراف عدة،بما في ذلك ذات الحركة التي عاندت،وتخلت عن قراءة المتغيرات في المشهد.
الحركة الاسلامية تستثمر اليوم فقط في مظلومية الاسلاميين في مصر،بعد ان خسرت عناوين داخلية اردنية،ابسطها الاسناد الشعبي،جراء الخوف والذعر بين الاردنيين من الفوضى وخراب البلد،وهذا عنصر يتوجب الوقوف عنده،والاستثمار في مظلومية الاسلاميين في مصر،قد يجدي عاطفيا،وبشكل سلبي،يتضمن التعاطف من داخل الغرف المغلقة،دون تسييل هذه القوة الى الشارع الاردني،فليس مطلوبا من الاردني نحر بلده واولاده بعد ما رآه في كل الدول المجاورة،الا اذا كان الدم رخيصا الى هذه الدرجة.
من اللافت للانتباه ان لايقف الاسلاميون مطولا عند الفكرة الطاغية في الاردن اليوم،التي تقول ان اغلب الاردنيين انفضوا عن الربيع العربي،ليس لعدم قداسة عناوين الاصلاح،وانما لكونه بات ُمعرفا عندهم باعتباره مدخلا لهدم الدول والشعوب،وتخريبها فوق خرابها،فكيف يواصل الاسلاميون الاستثمار في عنوان انفض عنه الناس،واين المنطق في هكذا تجارة؟!.
هذا عناد مكلف،واستعادة الحركة لمكانتها المعنوية ومساحتها في الاردن،وهي مساحات تم التخلي عنها طوعا طمعا في مساحات اكبر تحت وطأة الظن ان هذا أوان حكم الاردن،فلم يحصدوا ولم تبق مساحتهم الاولى.
عودتهم الى مكانتهم ومصالحتهم وفك طوق العزلة الرسمي والشعبي ممكن ومتاح شريطة اعادة التموضع،ومراجعة كل المشهد،والتخلي عن المناطحة التي تليق بالهواة،ولاتليق بالمحترفين في السياسة،وهذا امر يقرره الاسلاميون بالتهدئة اولا،ثم التخلي كليا عن ادارة العلاقة مع الدولة عبر الشوارع،ثم الاقرار بالاخطاء،والتخلص من العقدة المنفوث عليها،على اساس ان التراجع يعني الهزيمة،فالتراجع هنا دليل حياة وليس موت.
دول الجوار تتهدم وشعوبها تنهار،والدنيا على مشارف حرب كبرى،ومازلنا نسمع من الاسلاميين دعوات للمظاهرات،فإما انهم يعيشون في عالم آخر،واما انهم لايعترفون بالتغييرات التي جرت على بنى الداخل،وفك عزلة الاسلاميين بيدهم،وهو بحاجة الى تغيير جوهري،وليس مجرد مناورات تكتيكية،ورسائل غزل تتبدد بعد ساعة من إطلاقها.
يبقى السؤال:هل من المنطقي أن يكون جزاء الدولة الحاضنة،إرباكها وإرهاقها وتهديدها،في مساواة غير أخلاقية أصلا مع انظمة دموية وقاتلة ومجرمة نعرف كلنا مالذي فعلته ضد الإسلاميين؟!.