مظاهرات موافق عليها
في مرحلة ما يسمى بالطفولة، شاركت في ثلاثة أنواع من المظاهرات، وهي بالمناسبة المظاهرات الوحيدة التي كانت مسموحة آنذاك، اتحدث عن مرحلة الستينيات . في الواقع كانت مشاركاتي هامشية وتقتصر في الكثير من الأحيان على مجرد التفرج على المتظاهرين .
النوع الأول من المظاهرات، كان تجمعات نسائية (وأطفالية) في معظمها، وكان الهدف منها دعوة السماء لتمطر ، بعد أن يجف الزرع والضرع وتتلوى الناس عطشا. وكانت النساء تلتم حول لعبة شرائط، ملفوفة، بلا إتقان ، على عصا قشّاطة تالفة، وتغني النساء ومن يشارك في المظاهرة قائلين:
– يا أم الغيث غيثينا
وهي على ما يبدو، بعض ما تبقى من تراثنا الوثني داخل الضمير الجمعي للإنسان في هذه المنطقة. الغريب أن السماء كانت تمطر بعد هذه التظاهرة، في كثير من الأحيان.
النوع الثاني من المظاهرات، كان سياسيا، نعم يا سادة، كانت تظاهرة سياسية موافق عليها، حيث كان الناس يتجمعون في بداية تشرين من كل عام وينطلقون وهم يصرخون بأصوات مخنوقة، ولغاليغ حرقها دخان الهيشي ….ويقولون:
فليسقط وعد بلفور
وغالبا ما يحمل المتظاهرون أكثرهم (فغيرا) حتى تسمع الإمبريالية والصهيونية أصوات احتجاجنا على توطين اليهود في فلسطين . وكنا في كل عام نتداول نكتة ذلك الرجل الذي دخل الى المظاهرة متأخرا، ولم يعرف المطلوب، فصار يصرخ مع المتظاهرين، ويقول: (فليسقط واحد من فوق) حسبما فهم الشعار.
أما النوع الثالث من المظاهرات، فأتذكره مثل الحلم ، وهو أكثر هذه التظاهرات ضجيجا، فقد كان تجمعا بشريا متحمسا أكثر من الآخرين، يمر من أمام بيتنا، دون توقيت محدد، بالنسبة لي آنذاك، وكانوا يحملون الطناجر العملاقة ، ويضربون عليها بقطعة حديد او خشب أو بالأيدي ، بقصد إصدار أقوى ما يمكن من الأصوات المزعجة ، ويصرخ المتظاهرون في الأثناء:
– اطلق قمرنا يا حوت ..يا حوت اطلق قمرنا .
وكانت هذه التظاهرة تنطلق فور حدوث خسوف القمر، وهي اعتقادات قديمة، حيث كانوا يعتقدون أن حوتا عملاقا كان يبتلع القمر، وكانوا يطلقون هذه الأصوات لإجبار الحوت على اخراج القمر من جوفه. وكانت هذه هي المظاهرات الوحيدة التي تحقق اهدافها تماما ..ويعود الجميع فرحين، وقد انتصروا على الحوت، وحرروا القمر .
اقترفت هذا المقال المطول لأقول لكم بأنه وبمناسبة الخسوف العربي، فقد ادرت عن دار الضفاف في بيروت كتابا ساخرا بعنوان(إطلق قمرنا يا حوت) قصدت فيه إسماع صوت الساخرين الأردنيين في العالم العربي ، ولأعبر عن احترامي وتقديري واعتزازي بزملائي الساخرين الأردنيين، الذين يخوضون تجربة رائعة في الكتابة الساخرة المتميزة في العالم العربي والعالم. الكتاب سيوزع في العالم العربي، وقد وصل هذا الأسبوع الى كشك الثقافة العربية ، كشك حسن أبو علي وسط العاصمة عمان .
على أونو على دوو.
ghishan@gmail.com