الطريق الثالث!
هناك فئة صامتة وحائرة، سمها أغلبية أو أقلية لا فرق، لا تؤيد الاخوان المسلمين أو افكار ورؤى الاسلام السياسي، ولا تثق بالمؤسسة العسكرية وانظمة الحكم الاستبدادية، حتى العلماني منها، وان كانت الأخيرة تعد بالاستقرار والأمن المجتمعي والحفاظ على مدنية الدولة. مأساتنا اليوم تقع في حدة الاستقطاب القائم بين فئتين لا ثالث لهما. ويبدو ذلك الاستقطاب في اوضح تجلياته في الصراع الدائر الآن في مصر بين انصار التيار الديني من جهة وبين مؤيدي المؤسسة العسكرية من جهة اخرى. ومن الواضح ان ايا من الطرفين لا يحارب من أجل الديمقراطية والحكم الرشيد والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة.
لكل فئة برنامجها واهدافها ومصالحها، وهي بذلك تبتعد عن الاهداف العامة لثورات الربيع العربي المطالبة بتحقيق العدالة الاجتماعية والكرامة الانسانية والحرية، وهي أهداف انسانية كونية فشلت كل الانظمة العربية على اختلاف اشكالها في تحقيقها منذ عهود الاستقلال. ومن المهم الاعتراف بأن هذه الانظمة فشلت ايضا في بناء الدولة العربية الحديثة وتقديمها كنموذج يحتذى.
الصراع اذن ليس حول الديمقراطية وانما هو صراع سياسي على السلطة بعيدا عن ارادة الشعوب التي تعرضت لعقود من الاستبداد المباشر والناعم فاختلطت عليها المفاهيم، ولم تعد تدري أي الطرق تؤدي الى تحقيق ما ترنو اليه. الاختلاط اليوم بين الشعوب هو حول الغايات لا الوسائل، فالكل يزعم انه ديمقراطي والكل يدعم شرعية الصندوق. ستمضي سنون وربما عقود قبل ان نتفق على الغاية وشكل الحكم الذي نريد.
ماذا يفعل من يؤيدون طريقا ثالثا، ويختلفون مع الخيارين الوحيدين المطروحين على الساحة؟ ماذا يفعل من يرفض الدولة الدينية من حيث المبدأ، ويعارض ايضا حكم النخبة سواء كانت المؤسسة العسكرية المتحالفة مع بعض القوى السياسية، او حتى تلك التي تحكم باسم شرعية مصطنعة؟
لابد من طريق ثالث يبعدنا عن ثنائية السيىء والأسوأ، ويطرح منفذا ثالثا يتمثل في الخيار الديمقراطي التعددي المدني المستند الى حياة حزبية حقيقية تقدم برامج وحلولا لمشاكل وتحديات اليوم. لا بد من خيار ثالث يخرجنا من جحيم الهويات الفرعية والاقتتال الديني والطائفي والمذهبي وحتى العقائدي السياسي.
الكارثة الكبرى في مصر تمثلت في تحالف القوى والتيارات الليبرالية والقومية واليسارية مع الجيش لتمرير الانقلاب العسكري. افقد هذا التحالف صدقية هذه التيارات واعادها سنوات الى الوراء. مهما تكن الاسباب فان هذا التحالف، ولو كان مؤقتا، يؤكد على تلك الثنائية القاتلة وعلى تغييب الخيار الثالث.
اصطفاف المصريين حول فريقين ودخولهم في صراع دموي لتبرير مواقفهم اخلى الساحة من مناهضي الطرفين ومؤيدي الطريق الثالث. لن يؤدي هذا الصراع الى نهضة جديدة للدولة ولن يسهم في تجذير الديمقراطية والتعددية. كما انه لن يقربنا من مشروع انتاج الدولة العربية الحديثة التي تفك عن نفسها اغلال الارث التاريخي والديني بكل تعقيداته التي نشهد اثارها اليوم في العراق وسوريا وغيرهما. سيستمر الصراع بين الفريقين بيما يغيب فكر التجديد والتحديث والنهضة وخيار الطريق الثالث!