اختراع الأعداء!!
لم تكن الأطروحة الشهيرة لصاموئيل هانتجتون حول صراع الحضارات هي نهاية المطاف، فقد أعقبها بعدة استدراكات منها ما سماه اختراع الأعداء، والذي تعد الولايات المتحدة نموذجاً معاصراً له، ففي خريف الحرب الباردة عندما بدأ المارد السوفيتي بالعودة الى القمقم كان لا بد لقوة عظمى ذات نفوذ امبراطوري ان تبحث عن عدو بديل، وبالفعل غيرت تضاريس الشيوعية بتضاريس أخرى اسلامية، وكان لا بد من جمع عدة أعداء صغار ليتكون من حاصل جمعهم مارد جديد، لكن سرعان ما تحولت هذه الاستراتيجية الى قصة فشل بحيث أوتي الحذر الامريكي هذه المرة من مأمنه بدءاً من افغانستان.
ولأن التاريخ لا يزال رهينة صراعات وحروب ونزاعات تمدد بحثاً عن مجالات حيوية، فانه ما من دولة تطيق البطالة عن اختراع الأعداء، حتى لو لم تكن بقوة وحجم ونفوذ أمريكا.
ولو أخذنا مصر نموذجاً على مستوى الاقليم باعتبارها الأكبر والأكثر عدداً والأعمق تاريخاً، فقد كان من المتوقع بعد اتفاقية كامب ديفيد أن تبحث الطاقة بكل مكوناتها الاجتماعية والثقافية والنفسية وحتى العسكرية عن عدو بديل، فالدول حين لا تجد عدواً تخترعه، وذلك قانون من صميم التاريخ وتحولاته وما سماه توينبي نظرية التحدي والاستجابة، فاللعب مثلاً خصوصاً في مستوياته الأكثر عنفاً حرب أخرى، يجري التخلص من خلالها من فائض الطاقة، لهذا يرى فيه علماء النفس شكلاً من أشكال التنفيس عن عدة مكبوتات، وهذا ما يفسر لنا ظاهرة تسييس وعسكرة المباريات الرياضية، بحيث فقد هذا النشاط براءته، وتحول الى حروب رمزية ترفع فيها الرايات والشعارات المستعارة من قاموس الحروب بمعناها الكلاسيكي، ويكفي أن نتذكر مثالين في هذا السياق أولهما المباراة سيئة السمعة بين مصر والجزائر وما انتهت اليه من قطيعة وهجاء مُتبادل ومجزرة بور سعيد التي تجاوز عدد ضحاياها السبعين.
ان ظاهرة اختراع الأعداء ليست حكراً على امريكا الا بالقدر الذي أشار اليه هانتجتون حيث يتصل الأمر بفائض القوة وشهوة السطو وتحديث فقه القرصنة.
واختراع الأعداء خصوصاً في مراحل يتعمق فيها الفراغ السياسة والبطالة العسكرية قد يتحول الى انتحار أهلي اذا لم تتنبه النخب والمنوط بهم رصد التحولات الاجتماعية والنفسية الى ذلك!