ليس لنا إلا ناسا !
فجعت مثل غيري بسبب الخطأ بتحديد موعد رمضان، ولم أتذكر سوى ليلة القدر، وهي ليلة محددة بميقات معروف، مثل ميقات الصلاة والحج.
أمام هذا الخطأ يأتي السؤال حول ليلة القدر، وعن أي ليلة نتحدث هنا: هل هي ليلة القدر السعودية أم ليلة القدر الأردنية أم ليلة القدر الشيعية؟!
وهل هناك تعدد في ليالي القدر؟! أم انها محددة بليالي الوتر المعروفة في الثلث الأخير من رمضان، أي الليالي الزوجية المفتوحة على الفردية، وكيف يمكن ان يبرر لنا العلماء هذا التشويش في كل القصة؟!.
السعوديون يقولون إن بداية الصوم ثبت انها خطأ واننا عمليا بدأنا صيامنا من اليوم الثاني من رمضان، ما يعني أن العيد سيكون الأربعاء أو الخميس، وجماعتنا هنا يقولون ان صيامنا كان صحيحا وبالتالي فإن العيد سيكون الخميس او الجمعة، وهذا جمال مابعده جمال، اذا لدينا ثلاثة ايام قد يكون احدها العيد، وفي هذا تعددية رهيبة يتم تقديرها عاليا لعباقرة هذا الزمن، وهي تعددية تشمل الصيام والعيد وليلة القدر!.
لايريدون الحسابات الفلكية الدقيقة، وكأن العلم يناقض الإيمان، ولايريدون هذه الحسابات بـاعتبارها لا تتوافق مع فكرة التحري بالعين المجردة، ولايشرحون لك كيف يمكن التوفيق أحيانا بين مطلع الهلال وفقا للحسابات الفلكية، ونفي ذلك بالعين المجردة؟!.
هذا حال العاجزين عن الوصول الى حل نهائي، عبر التلطي وراء قصة الأزمان القديمة التي لم يكن المسلمون يصومون فيها سويا لغياب الاتصالات، وصعوبة التوافق على ذات اليوم، وهذه الايام لايريد أحد أن يعتمد مكة المكرمة مثلا كتوقيت وموقع لإعلان الصيام والعيد لكل المسلمين، لكنهم يأخذونك عمليا الى ماهو اسوأ، اي الاختلاف حول مواقيت اخرى ابرزها ليلة القدر التي لم نقرأ انها اكثر من ليلة واحدة في ذات الشهر بمعنى الثبوت، وان كانت محتملة في أكثر من يوم وفقا لقاعدة ليالي الوتر.
سيأتيك من يتذاكى ليقول ان النية كافية اذا توسّمت ليلة القدر وفقا لحسابات بلدك في ليلة السادس والعشرين على السابع والعشرين، مثلا، غير أنه لا أحد يجيب حول كفاية النية هنا ما دامت الليلة ثبت لاحقا انها ليلة الخامس والعشرين على السادس والعشرين مثلا من رمضان، أي أنها ليست من ليالي القدر المحتملة، ثم ان ليلة القدر محددة بمواقيت مثل مواقيت الحج والصلاة، ولا يجوز أن يقال للناس ان نية العبادة كافية، وإلا لكان جائزا ان نصلي العصر بعد العشاء، وان نحجّ في غير موعد الحج وميقاته ما دامت نية العبادة هي الأساس، والإسلام دين مواقيت في أغلب عباداته.
في العراق ينقسم السنة والشيعة، فقد يعلن الوقف السني عن بداية رمضان فيما يتأخر الشيعة يوما، هذا على الرغم من أن كليهما يصومان في بلد واحد وقمرهما واحد، إلا إذا كنا أمام قمرين واحد بعثي، وآخر مالكي، وهذا يأخذنا الى ذات الاستخلاص حول كل مواقيت الدين من الصيام الى العيد مرورا بليلة القدر التي لم نسمع انها اكثر من ليلة واحدة ثابتة في الشهر، وان كنا نعرف طبعا انها محتملة في اكثر من ليلة فردية.
لا أحد يشرح كيف يمكن ان تثبت ليلة القدر هنا في ليلة وتر، فيما تكون ذات الليلة في بلد عربي ليلة زوجية اي ليست وترا، وكيف يمكن ايضا ان تكون الليلة وترا، ثم نكتشف لاحقا ان الصيام خطأ، وان الليلة التي حسبناها وترا واذا بها زوجية!.
الأمم وصلت القمر والكواكب الأخرى ونحن في قمة العجز عن ايجاد الحلول لأبسط الاشياء، وبينما ننتظر رجلا تائها في واد حتى يأتينا بخبر رؤيته للهلال، تحفر واشنطن وغيرها من دول العالم للوصول الى سطح القمر، وتحتله وتتقاسمه وتحلل تربته وتغزو بقية الكواكب، ولم يبق لنا الا ان نتعاقد مع وكالة الفضاء الامريكية، ناسا، حتى تفتي العرب والمسلمين في موعد صيامهم وعيدهم.
لعلها ستكون قادرة بسطوة من خلفها على فرض يوم موحد لكل هذه المواقيت التي أبدع المسلمون في تسخيرها لمزيد من تقسيم هذه الأمة وتشظيتها على كل المستويات.
الاستعانة بصديق أمرغيرمحرج، فهذه ليست أول مرة نستعين فيها بصديق!