بدائل الدولة!!
لم تعد التعريفات الحديثة للدولة بحاجة الى التذكير بنقائض وبدائل الدولة في غيابها، اللهم الا اذا كان هذا المطلب مشروعاً في بلدان تعيش حقبة ما قبل الدولة وما قبل العقد الاجتماعي وربما ما قبل الماغناكرتا، فثمة مجتمعات الآن عاشت قروناً طويلة على وهم الدولة وأدبياتها، لكنها فوجئت بين ليلة وضحاياها أنها تتدرب كالطيور الصغيرة على الطيران، وكأنها لم تعش فعلياً ثقافة الدولة، وذلك لسببين أولهما القطيعة المعرفية والحضارية عن الماضي، وثانيهما اساءة فهم لما يسمى الآن الدولة العميقة، فهذا مصطلح مُلتبس شأن العديد من المصطلحات التي تتداولها الميديا الاستهلاكية.
إن بدائل الدولة هي باختصار وعلى التوالي الطائفة والقبيلة والاثنية والميليشيا، وهذه كلها تضاريس نموذجية للغاية، حيث لا طريق ولا قانون ولا أعراف أو حتى تقاويم.
وأسوأ ما تورطت به ثقافتنا السياسية في هذه الأونة الحرجة هو الخلط بين النظام والدولة، بحيث عومل المصطلحان كما لو أنهما وجها عملة واحدة.
لهذا أصبح تفكيك الدول بكل مفاصلها وتفاصيلها ومؤسساتها وكأنه مجرد تفكيك انتقامي وليس انتقالياً للنظام.
وحين يصحو الناس على غياب الدولة فان معنى ذلك أن الاقامة في الشارع هي البديل لأي حراك سياسي أو اجتماعي تحركه بوصلات وكوابح وحدود!
وهناك دول عمرها آلاف السنين بمقياس التقاويم التاريخية تعرضت «للملشنة» والتطييف والقبلنة باعتبار هذا الثالوث المضادات الفعلية للدولة، والأرجح أن ما ينقصنا كعرب اضافة الى الكثير من المعارف هو وعي الدولة كمنجز حضاري وتاريخي وقانوني لأن فائض الموروث الرعوي حولها الى نقيض للفرد ومصالحه المباشرة، لهذا فالكسب منها حلال حتى لو كان سطوا على مؤسساتها وأموالها.
وما كان لتضاريس الحراك السياسي العربي ان تتحول الى مستقيمات متوازية، وثنائيات حاسمة لا تقبل أي جدل أو افراز بعد ثالث غير مطلق السواد والبياض والصواب والخطأ والحق والباطل لو أن هناك وعياً حقيقياً لمفهوم الدولة ومجمل العقود التي تنظم علاقة الأفراد بها بحيث لا تصبح العبارة الكوميدية الشهيرة لدريد لحام هي السائد والبديل للقانون والمواطنة وهي «حارة كل من إيدهُ إلهُ»!
أخطر ما يهددنا كوجود قومي ومستقبل هو سطوة بدائل الدولة!!