أدت القرارات الحكومية برفع الدعم عن الخبز ورفع ضريبة المبيعات على السلع ورفع أسعار الكهرباء وأجور النقل، لاندلاع احتجاجات وتظاهرات في مناطق مختلفة من المملكة، تراجع أغلبها باستثناء الاحتجاجات المتكررة بالسلط والكرك، والى حد ما ذيبان.
الاحتجاجات الرافضة للقرارات الاقتصادية صبت جام غضبها على الحكومة والبرلمان معاً باعتبارهما شريكين في هذه السياسات بسبب موافقة البرلمان عليها، ومنحه الثقة مجدداً للحكومة. تحوّلت التظاهرات الى احتجاجات يومية في السلط والكرك وذيبان، وظهرت فيها شعارات مرفوضة وخارجة عن المألوف، وارتفع سقف المطالب من التراجع عن رفع الأسعار الى رحيل الحكومة والبرلمان معاً. وبالرغم من أن الاحتجاجات محددة جغرافياً، إلا أن استمراريتها وعمق مطالبها يضاعفان من أهميتها وتأثيرها على المواطنين وعامة الناس.
يقابل ذلك، صمت حكومي حيال هذه الاحتجاجات التي لن تكون الإجراءات الاعتيادية قادرة على التفاعل معها، ما يستدعي قراءة للأسباب والمظاهر التي نلاحظها على هذه الاحتجاجات.
أولاً: الحكومة وبمجابهة الأزمة الاقتصادية لجأت الى سياسة معينة تنطوي على إجراءات تقشفية فقط، وتعاملت مع الموضوع وكأنه مسألة تقنية. كما لم تكن الحكومة قادرة على التواصل مع الناس وتقديم رؤيتها العامة لهذه الأزمة، وكيفية الخروج منها. كذلك، جاءت هذه القرارات على خلفية ظروف اقتصادية سلبية متراكمة منذ أكثر من ثماني سنوات في غياب وجود استراتيجية واضحة للتواصل مع الناس في الوقت المناسب، ما أدى الى تعميق فجوة الثقة بين الناس والحكومة من جهة والناس ومجلس النواب من جهة أخرى. كل ذلك أدى لحدوث فراغ كبير في هذا المجال.
ثانياً: هذه الاحتجاجات تتم مع غياب شبه تام للأحزاب السياسية على كثرتها ولمؤسسات المجتمع المدني الكثيرة أيضاً. الدلالة والاستنتاج من ذلك، أن هذه المؤسسات الوسيطة بين المجتمع أو المواطنين هي ضعيفة أصلاً، ولا تقوم بدورها في بلورة خطاب سياسي يعبّر عن مشاعر الناس وتوجهاتهم. هذا قد يفسر أحياناً بعض الشعارات غير المعتادة التي تأتي خارج الإطار السياسي.
فجوة الثقة الموجودة بين الناس من جانب، والحكومة والبرلمان من جانب آخر، تمتد لتطال الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني التي من المفروض أن تعبر عن مصالح الناس وتدافع عنها، ما يوحي بأن المواجهة هي مع الدولة بأسرها، وليس مع جزء من مؤسساتها.
ثالثاً: تكشف الاحتجاجات عن بروز أو وجود نخبة او قيادة محلية جديدة معظمها شبابية ومتعلمة وتعمل بسلمية وانضباط، ولكن بمطالب سقوفها عالية. يتزامن مع ذلك غياب شبه تام للقيادات والبرلمان.
السياسة التقليدية التي ينظر إليها من قبل المحتجين بسلبية كبيرة وتتهم أحياناً بأنها تعمل لمصالحها وليس للصالح العام أو لصالح المناطق التي جاءت منها وتمثلها. هذه القيادات الشابة ترى أن لا فرصة لها في تحقيق طموحاتها السياسية في ظل البيئة السياسية الحالية سواء كان ذلك من خلال الانتخابات البرلمانية أو طريقة اختيار القيادات للمناصب الوطنية. وهذه ظاهرة تستدعي الانتباه لأهميتها لمجمل العملية السياسية، وتعد مؤشراً إلى التحولات الاقتصادية والسياسية التي تمر بها البلاد.
الظروف الحالية التي تمر بها البلاد هي خاصة واستثنائية، فالبلد يعاني من أزمة اقتصادية خانقة لم تستطع الحكومات المتعاقبة معالجتها أو تخفيف حدتها، ويتزامن مع ذلك تراجع منسوب الثقة بين الناس والحكومة والبرلمان والمؤسسات الوسيطة الأخرى التقليدية منها، كوجوه العشائر والمناطق، والأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني. وإذا كان هذا هو الحال فعلاً، فإنه يعني أن الأساليب التقليدية أو القديمة قد لا تنجح بالتعامل مع هذه الأزمة، وإنما قد يتطلب الأمر إيجاد حلول أخرى جذرية لهذه المشكلات، ربما لا تقل عن تنفيذ رؤية جلالة الملك عندما طالب في خطبة العرش في افتتاح الدورة غير العادية لمجلس الأمة السابع عشر بـ”ثورة بيضاء”. د.موسى شتيوي