وطن للإيجار!
لم يغب عن اعتقادي لحظة واحدة ، ان الدول هي مجرّد أفراد كبيرة…بسياساتها، باقتصادها، بطريقة إدارتها، بهويتها، بسلوكها الدبلوماسي، بكاريزمتها الدولية ..فهي مهما كبرت أو صغرت، قويت أو ضعفت، مجرد “حاصل جمع أفرادها” ليس الاّ..
ولأبسّط الأمر أكثر: مثلا: ما الذي يفكر فيه المعسر “الأردني” أولا ؟؟
الجواب ببساطة :أول ما يفكّر به كيف يستطيع أن يؤمّن قرضاَ يكفيه لنهاية الشهر!! وآخر ما يفكّر به ، أن يسأل نفسه ما الذي جعلني أستدين وأصل لهذه المرحلة ؟؟؟؟ ..
لذا يلجأ “الأردني” الى القروض من الأشقاء والأصدقاء والمعارف ليأكل ويشرب ويدخّن ويسهر ويلعب وأحياناً ليسافر إجازة الصيف..وعندما تزداد القروض الصغيرة والمتوسّطة ويبدأ الدائنون بمطالبته يضطر لبيع قطعة أرض ورثها عن رحمة “الحجي” ، ليطفىء بعض الديون الملحّة..والذي يزيد ، يدفعه قسطاً لسيارة حديثاً مثلاً ،أو ينفقه على كمالية او “متعة”.. وما أن تمر الشهور حتى تتراكم الديون من جديد بسبب نمط معيشته وأخطائه في إدارة دخله ومصروفاته..وعندما يستنفذ كل الوسائل للحصول على القروض التقليدية من الأشقاء والمعارف والجيران..فحتماً سيلجأ للبنك بفوائد مرتفعة وضمانات عقارية..ولأنه قد أجهز في السابق على كل ما ورثه من “الحجي”..فلم يتبق إلا أن “يرهن الدار”..واذا ما استمر بنفس الأسلوب ونفس “الفشخرة” وعدم التخطيط والصرف على الملذات الشخصية ..فحتماً سوف تباع الدار في المزاد العلني ..فيتشتت الأولاد ويبحث كل منهم عن “دار للإيجار”..
الدولة الأردنية تدير” عسرها “المالي كما يديره بعض الأفراد!!..في البداية بحثت عن قروض ميسرة ومساعدات من الأشقاء والأصدقاء من اليابان ،من أمريكا، من الاتحاد الأوربي ،من الخليج ..وصرفت جل ما أتاها على البهرجة والمشاريع “الفاقسة” والملذات السياسية، وعندما طالب أصحاب الديون بديونهم بدأنا نبيع مؤسسات الدولة الواحدة تلو الأخرى “بيش ما قالوا شالوا” لنطفئ بعض الديون بجزء منها ونصرف و”نتبغدد” بما تبقى منها….وعندما عسرنا للمرة الثانية والثالثة والرابعة، بدأ الأصدقاء والأشقاء “يتهرّبون” من إقراضنا او مساعدتنا..فلجأنا الى صندوق النقد الدولي بفوائد مرتفعة وضمانات وطنية..ولأننا قد أجهزنا على كل شيء بنيناه او ورثناه منذ 70عاماً..فأكثر ما أخشى أن يكون السداد القادم من “وحدة الوطن”..واذا استمرت ادارتنا بنفس الأسلوب من “الفشخرة” و”البلع الزائد” وعدم التخطيط والصرف المهول على المُتع والسفر و”الكيف” أخشى أن يسترد البنك الدولي قروضه من “ثمن الدار”..
المصيبة.. في حالة الأفراد..قد يجد المرء الواحد “داراً” للإيجار…
لكن في حالة الدول من اين تجد الشعوب “وطناً للإيجار”؟؟..