0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

فقه الاستحواذ !!

نحن جميعاً ندفع الآن ثمن هذا النمط من التفكير الأحادي، الذي يتلخّص في أمرين، أولهما تورّم الذات حيث لا حدود إلا ما تضعه القوة الرادعة، ثانيهما التعامل مع الآخر على أنه عدو بالقوة بحسب المصطلح الفيزيائي، لهذا يجب الاحتراز منه، وتأويل كل ما يصدر عنه كما لو أنه تكتيك وحيلة، وبالطبع لا ينجو من ثقافة الاستحواذ تلك حتى من توهموا أنهم ظفروا بحصة الأسد من الغابة لأن الغابة على وشك الاحتراق بكل ما فيها، لأن القوي ليس لديه ضمانة أو بوليصة تأمين دائمة ضد الضعف حتى لو كان الضعف هو الشيخوخة.
وحين يستخدم بعض الناشطين العرب مصطلح تداول السلطة لا يبدأون من أول السطر، لأن ما يجب تحليله أولاً هو مفهوم التداول ذاته، بدءاً من أدق التفاصيل في الحياة اليومية، فالاستحواذ مضاد لأي تداول، ولا يمكن تدجينه كغريزة بدائية إلا بالتثقيف والإعداد التربوي المبكر، والمجتمعات التي لا تعيش ثقافة التداول والشراكة في أي شيء لن تفلح بإنجاز تداول سلمي للسلطة، وهذا ما يفسّر ظاهرة مسلسل الانقلابات والثورات التصحيحية التي عصفت بالعالم العربي وعسكرته خلال عقدي الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فالانشقاق بهدف التصحيح هو مجرد قناع لإخفاء نرجسية سياسية تحرض على الاستحواذ، وبالتالي احتكار السلطة واقصاء الآخر المنافس بالقوة.
وقد عرفت السجون والمقابر العربية العديد من هؤلاء الذين دفعوا حريتهم وأحياناً حياتهم ثمناً لثقافة ووعي مضاد ومفارق للسائد، لأن العقل السياسي الحبيس في ثنائيات جامدة وغير متجادلة لا يعرف أي بعد ثالث.
وهذا ايضاً ما يفسر السرعة في تبادل الاتهامات سواء أكانت بالتخوين أو التفكير أو الشيطنة، ويتم ذلك كامتداد لقاموس الهجاء الموروث والذي تغذيه ثقافة شفوية مناقضة لكل المواعظ والمقولات المأثورة التي تحض على السّلم الأهلي والتعايش تحت سقف الوطن الواحد.
ولو شئنا الصراحة أو قدراً منها على الأقل واستدعينا طفولاتنا وما كنا نسمعه من البالغين لتبدد العجب وعرفنا السبب الذي أدى الى هذا السّعار في الاستحواذ والمثل الشعبي القائل عن فلان إن بطنه أجرب لأنه لا يشبع لم يأت من فراغ، وهو من الناحية السيكيولوجية يصلح مدخلاً لاستقراء حقبة سياسية واجتماعية امتدت لقرون وليس لعقود فقط، فالجرب ليس حكراً على البطون انه يتسلل ايضاً الى العقول والوعي والحراكات السياسية، وما يبدو أحياناً كما لو أنه مواقف راديكالية ليس في حقيقته غير تعبير بدائي عن نزعة الاستحواذ.