الانتخابات البلدية والإهمال الرسمي
انشغال الشارع الاردني بما يجري في مصر واقتراب دخوله الاجواء التونسية , لا يبرر حالة الاستكانة السياسية واكتفاء الحكومة بمراقبة المشهد الاقليمي مع المواطنين , دون مبادرة داخلية تنشّط العضلات الشعبية وتعيد تحريك الماكينة السياسية لتعمل مجددا في ماكينة الانتخابات البلدية التي تُعاني من برودة تصل الى مستوى الانجماد , فلا نشاط في عمان وحراك المحافظات ضعيف , وما يجري على المسار الخدمي يشير الى انتكاسة في مستويات النظافة ووقت انجاز المعاملات وباقي العمليات الخدمية المتأخرة أساسا .
الانتخابات البلدية للآن لم تُحرّك الساكن الشعبي او ما أسميناه الاغلبية الصامتة , التي لا تلتفت الى السياسة ولكنها معنية بالخدمات واخشى اننا اوصلنا الصامت الى الخَرس او البلادة , فلا حراك لتجويد الاختيار الخَدمي , ولا نشاط يوحي بوصول ارقام المقترعين الى نسبة معقولة في الصناديق التي ستعاني من خواء , وهذا يعني فشل الركن الثاني في العملية الاصلاحية وتراجع فرص تشكيل قيادات محلية قادرة على ترتيب احتياجات المناطق واولوية المواطن فيها ومساندة الدولة بتوفير خارطة طريق لكل منطقة .
الدولة بدورها تتعاطى مع الانتخابات البلدية بتراخ ٍ وبقلة حرارة واهتمام , فلا برامج لتنشيط المشاركة وتحفيز المقترعين , ولا اجراءات توحي باهتمام الدولة لتغيير صورة سوداء عن الانتخابات البلدية التي تلقت طعنة نجلاء في آخر دوراتها , وما زال التعاطي الحكومي يشير الى عدم ادراك لحساسية الانتخابات في هذه الظروف من حيث المشاركة وتحفيز القيادات المحلية الحزبية على المشاركة لرفع سوية المجالس المحلية وهذا لا يكون سوى بتطمينات عالية على نزاهة الانتخابات وضمان عدم التدخل وتكرار مآسي الدورة السابقة .
الظرف الاقليمي منح الدولة والحكومة فرصة لالتقاط الانفاس , ومنح الحكومة فرصة لتشكيل او البدء بتشكيل حالة تصالح مع معظم القوى السياسية الاردنية التي ابدت مرونة مؤخرا بحكم متغيرات داخلية واقليمية خاصة قوى الوسط ويسار ويمين الوسط وحتى اليسار الايديولوجي , صحيح انها لم تستطع النجاح في تحقيق اختراق على مسار جبهة العمل الاسلامي لكن سياق احزاب المعارضة حيال الشأن الداخلي تغيّر جذريا بعد احداث سوريا ومصر , وهيلمان الجماعة الاسلامية بدأ يتراجع واحساسها بالخسارة في مصر وتونس سينعكس على قراراتها المحلية بعد برود الرؤوس , فما زالت حرارة احداث مصر مرتفعة نسبيا مع بداية الحمّى الاسلامية في تونس .
الاشكالية ان الدولة والحكومة لم تسع الى استثمار هذه الفرصة بما يليق بها , وبما تستاهله في ظل ظرف لا يمنح ربع فرصة او اقل من ذلك لانظمة وحكومات في الاقليم , فلا يوجد فرق عمل تقوم بجولات لدراسة اوليات المواطن خارج العاصمة مكتفية بإرشادات تأخذ شكل الدراسة من دور المحافظات , ولا توجد فرق حوار سياسي تقود حوارات مع القوى السياسية الخارجة لتوها من مشاركة عليها الكثير من الملاحظات الذاتية والرسمية في الانتخابات البرلمانية وهناك احزاب عائدة او تفكر بالعودة بعد مقاطعة وكل ذلك يستوجب حوارات خاصة وضمانات وتطمينات تدفعهم للمشاركة الكثيفة والمكثفة وتمنحهم قوة ذاتية في مواجهة شركاء الامس في المقاطعة .
الاحساس العام ان الانتخابات البلدية دون أب , او ابنة البطة السوداء حسب الفلاحين , رغم اهميتها العظمى في الاردن ودون مبالغة هي اهم من الانتخابات البرلمانية , فهي ستعيد انتاج القيادات المناطقية بعد الربيع العربي وهي فرصة لقراءة مزاج الناس في اختيار هذه القيادات والى اي مدى كانت الدولة قريبة من اولويات الناس في الدعوات واللقاءات المخصصة لدراسة اوضاع المحافظات والى مَن كانت تستمع لتشخيص الاوضاع وتحديد اولويات الناس الاقتصادية والسياسية والاجتماعية , الانتخابات البلدية فرصة لقراءة تفاصيل المشهد الاجتماعي وفرصة اكثر لاعادة الثقة في اجهزة الدولة وصناديق الاقتراع , ويبدو اننا أدمنّا اضاعة الفُرص واتمنى ان اكون مُخطئا .
omarkallab@yahoo.com