رئيس برتبة وزير
شخصية وزيرالدفاع المصري التي ارتسمت خلال خطابه الذي حث فيه المصريين على الحشد في الميادين،من اجل اتخاذ اجراءات رادعة ضد الاسلاميين،شخصية مصابة بجنون العظمة،وبعقدة «التفوق والنقص» معاً.
لا أدري لماذا تذكرت القذافي وخطاباته بالزي العسكري المميز،مع رسمه لشخصية تفيض بالاستعراض والهندام والنظارات السوداء إمعاناً في فرض الهيبة،وكأننا امام حالة تطابق بين الحالتين،القذافي والسيسي؟!.
وزيرالدفاع الذي قاد الانقلاب على الرئيس مرسي،أهان ضمنياً الرئيس المؤقت،ورئيس الحكومة،باعتبار ان البلاد تحت حكمه شخصياً،وهو عملياً وزير فني وغير سياسي،ليس له ان ُيحرّض الناس على الاحتشاد في الشوارع.
بهذه الطريقة ينزلق الجيش الى مواجهة مفتوحة مع المصريين،وهي مواجهة لا أحد يعرف مآلاتها والى اين ستأخذ مصر والمنطقة؟!.
منذ اليوم الاول قلنا ان ما حدث في مصر انقلاب عسكري،وهذا لا ينفي ان عشرات ملايين المصريين تم تحشيدهم ضد الرئيس،وان الاسلاميين ارتكبوا اخطاء كبرى وفادحة،وهو ما أقر به الرئيس المعزول،حتى لا تبقى القصة،قصة «مظلومية الاسلاميين» في مصر.
هذا موقف متوازن يؤمن به كثيرون،ينتقدون الانقلاب،وينتقدون اداء الرئيس بكل ما فيه من أخطاء،فوق ملامح الاسلاميين السياسية التي لم تخل من إقصاء وتخوين للآخر،وفشل في بعض السياسات،وهذا لا ينفي شرعية الرئيس المعزول،ولا التآمر عليه.
لأول مرة ترى وزيراً في دولة وقائدا للجيش،يقفز عن كل المؤسسات مجدداً،ويخاطب الشعب باعتباره خطيباً ومرشداً ورمزاً ونصف آلهة فرعونية،مفترضاً انه سيوجه الأوامر وان الشعب سوف يستجيب،والذي يقرأ لغة الجسد واللباس والصوت والايماءات لوزير الدفاع وهذا التصنع في شخصيته،يقرأ بعمق استفحال عقدة الزعامة الشخصية.
الواضح من مضمون كلامه البارحة عدة دلالات،أولها تأكيده الى ان مصر تحت حكم العسكر،وستبقى تحت حكم العسكر الى ما لانهاية،معلناً ان لامكان لحاكم ينتمي الى اي تيار ديني،حتى لو جاء عبر صناديق الاقتراع.
ثاني الدلالات تعميد ذاته باعتباره حاكماً مطلقاً فعلياً في مصر،ولن يكون غريباً ترشحه للرئاسة لاحقاً،أو حتى استيلاؤه شخصياً بدعم من الجيش على الحكم،في انقلاب تجديدي ثان ٍ بعد انقلاب الضباط الاحرار في مصر،ونحن امام حالة لرئيس فعلي برتبة وزير.
الدلالة الثالثة تقول ان كل الشخصيات المصرية مثل الرئيس المؤقت ورئيس الحكومة،شخصيات شكلية،فلم نسمع لهم كلمة،ووزير تحت يد الرئيس المؤقت ورئيس الحكومة،يقفز في وجهيهما معلناً انه الآمر الناهي،فكيف يحتمل هؤلاء إهانته العلنية لهما؟!.
رابع الدلالات يؤشر على ان هناك مراهقة من كل الاطراف،والصراع على السلطة بلغ مداه،ولا احد سوف يتنازل امام ساعة الحسم.
تقول الدلالة الخامسة،ان كل مصر تنزلق باتجاه مواجهة دموية،قد تبدأ باشتباكات او مواجهات،وقد تمر بإعادة الاحكام العرفية،وقد تأخذ كل مصر في النهاية الى حرب اهلية مفتوحة،وبحيث يتورط الجيش.
قيل سابقاً ان كل المخاوف تتلخص بسيناريو الحاق الجيش المصري بسابقيه العراقي والسوري،وتدميره في هذه الفوضى التي تبدأ من سيناء وتصل الى كل مكان،وهاهو الجيش يتورط في صراع المصريين،وتناقضاتهم.
يكفينا اننا نشهد لأول مرة في تاريخ هذا الجيش المحترف خروج قادة الجيوش الميدانية للتصريح بشكل منفصل،فهذا قائد الجيش الثاني يتحدث،وهناك قائد الجيش الثالث يتهدد،وهذا يدل على انهيار المركزية العسكرية،وبدء انزلاق الجيش نحو نزعات ذاتية.
حين تنزلق كل الدولة الى الشوارع،من الشعب الى الجيش مروراً بالمعارضة،عليك ان تعرف انك بحاجة الى معجزة سماوية لرد البلد الى استقراره .
حمى الله مصر لأهلها ولنا ايضاً.