تيارالقرآنيين.. هدم الموروث أم تقديسه؟!
في مصر تيار محدود يدعى تيار القرآنيين،وهذا التيار تعرض الى اضطهاد شديد على يد النظام المصري السابق،وعلى يد الجماعات الاسلامية من سلفيين واخوان مسلمين وغيرهم،ورأس القرآنيين في مصر»احمد صبحي منصور» اضطر في النهاية للهرب الى الولايات المتحدة،تحت وطأة الملاحقات السياسية والامنية.
للقرآنيين موقع الكتروني يدعى «اهل القرآن» ويقوم تيار القرآنيين على فكرة حساسة جداً،ترفض كل الموروث الديني عند السنة والشيعة،معا،اي ترفض الاحاديث النبوية،ليس انكاراً لسنة النبي صلى الله عليه وسلم،ولكن باعتبار ان هناك نصوصا ضعيفة،ودس في بعض الاحاديث،مما يجعل ترك كل الاحاديث افضل بنظر القرآنيين لصالح مرجعية القرآن.
خصوم القرآنيين يقولون ان هذا التيار يريد هدم السنة النبوية،بذريعة وجود شوائب مدسوسة في الكتب القديمة،ويحتج الخصوم على هذا التيار بكونه لايقول كيف يمكن ان نطبق كثيرا من العبادات وغيرها،ممن لم ترد تفاصيلها في القرآن اساسا،وتم الاخذ بها من السنة النبوية ومن كتب الاحاديث،وهذه فكرة مهمة للغاية يتوجب التوقف عندها.
القرآنيون يردون بأن كل السنن متوارثة بالنقل والتطبيق الفعلي،وان الصلاة مثلا تواترت فعلا،من مسلم الى مسلم،والامر ينطبق على بقية القضايا،وليس هناك حاجة الى نص حديث،او نص لفظي ليوضح هذه القضايا.
يقول القرآنيون ان كل النصوص الدينية عند السنة والشيعة حافلة بالاخطاء والشوائب،ولاحل للخروج من هذه المتاهات،الا العودة الى القرآن فقط لاغير،وان الاستغراق في تأويل نصوص الروايات والاحاديث عند المذهبين مضيعة للوقت.
المفارقة تكمن في سؤال مهم جدا يوجه للقرآنيين:كيف سيتم تفسير القرآن ذاته بمعزل عن النصوص الدينية في الاحاديث التي تفسر سورا كثيرة،لان رفض كل نصوص الاحاديث النبوية،يعني الاتكاء على تفسير جديد للقرآن بمعزل عن النصوص الموروثة في الكتب القديمة التي تفسر الايات؟ّ!.
لم يكن احد من تيار القرآنيين الحاليين حاضر زمن النبوة،ليتم الرجوع اليه لسؤاله،ولاحل بنظر القرآنيين.. الا اجتراح تفسير بمعزل عن نص الاحاديث،وهي مهمة محفوفة بالخطر. كيف سيحل تيار القرآنيين مشكلة تعدد مرجعيات القرآن،بمعنى تعدد وتناقض مرجعيات التفسير للاية الواحدة،او السورة الواحدة؟!.
نرى كيف يتصادم المفسرون اليوم،في تفسير الايات،اذ يقرأ البعض آية ويفسرها بأعتبارها تحث على قتل اصاحب المعتقد الاخر مثلا،وبعضنا يقرأ الاية ذاتها ويحصرها في توقيتها الزمني او مناسبتها،او في تفسير مغاير تماما؟!.
هناك تيارات تجديدية تحاول قراءة الموروث الديني بطريقة مختلفة،بعضها يريد ان يثبت ان السنة على خطأ،وبعضها يريد ان يثبت ان الشيعة على خطأ،وبعضها يريد ان يثبت ان الجانبين على خطأ،وان مشكلة المسلمين هي في النصوص المختلقة،في ظل سؤال يقول ان المسلمين تعبدوا اكثر من مائة وثمانين عاماً دون وجود احاديث،قبل ان يتم البدء بتدوينها،فكيف تعبّد هؤلاء هذه الفترة؟!.
التجديد مهمة محاطة برغبة عظيمة لاهميتها في ايقاظ العقل الغائب،لكنها ايضا مهمة محفوفة بالخطر لان تيارات التجديد متعددة،ومتصادمة،ولاتتفق على رأي نهائي ازاء القضايا،وهكذا تتحول مهمتها الى اذكاء الخلافات،لا.. فك عقد الخلافات الموروثة.
تبقى القراءة لافكارهذه التيارات مطلوبة بقوة لتغذية العقل وآفاقه بدلا من هذا الانغلاق،والقراءة بحد ذاتها،مفيدة وممتعة،والتعرض لتيارات فكرية سياسية او دينية،امر مهم للانسان،مادام قادراً على الثبات،دون ان يتأرجح بسبب فكرة هنا او هناك،بدلا من اضاعة الوقت في الترهات والجدل الفارغ،وتقديس تأويل النص،بدلا من تقديس النص.
التجديد والتنوير مهمتان عبقريتان،حتى لايبقى المسلم اسيراً لمفاهيم خاطئة،وحتى يحل اشكالات وجوده وحياته المعاصرة،ومن حق الانسان ان يفكر ويفتح عقله وقلبه،وألا يبقى محجوراً على عقله،خصوصا،حين لايمس وحدانية الله،ولايبتغي الطعن في الدين.