«بين إيطسنا»
من يصدق بأن أصدقاءنا الهولنديين المتفرغين حاليا لتدليل أبقارهم واسماعها الموسيقى لاستدرار المزيد من الحليب، من يصدق بأن هؤلاء هم أحفاد أحفاد مستعمرين طغاة في القرن السابع عشر وما تلاه. وأن شركة الهند الشرقية الهولندية التي أسسها هؤلاء عام 1602كانت تملك حق شن الحروب وتوقيع المعاهدات والمعاملات التجارية بإسم الحكومة الهولندية. وأنها كانت تتحكم في معظم طرق التجارة البحرية في آسيا وبعض مناطق في أفريقيا، وتملك العديد من المستعمرات في أنحاء العالم، وأنها قامت بعمليات إبادة جماعية للكثير من سكان الجزر الآسيوية و و و….من يصدق؟.
ومن أجل الاحتكار والتحكم بتجارة القرنفل من الجزر الآسيوية، قام الهولنديون بأكبر عمليات الإبادة الجماعية لأشجار القرنفل، وأبقت ما هو تحت سيطرتها تماما، ودفعت لحكام بعض الجزر التي لا تملكها أموالا من أجل تدمير اشجارهم من القرنفل…. طبعا فإن حرق شجرة يتم خلال دقائق، اما اعادة استنبات اشجار جديدة، فأنت تحتاج الى سنوات.
أما في قيود شركة الهند الشرقية الهولندية، فقد تم تسجيل الدفعات المالية التي قدمت للذين قاموا بقتل اشجارهم من القرنفل، تحت بند (نفقات الاستئصال). وقد أذهلني هذا المسمى، وشعرت بأن الهولنديين الذين فقدوا سيطرتهم خلال قرن، لم يبق من استعمارهم البغيض سوى بند نفقات الاستئصال، الذي تناسل داخل الإدارة الإنجليزية التي حلت محل الهولنديين، ومنها انتقل هذا البند الى الأميركان وجميع دول العالم الكبرى، لدرجة أنه – اقصد الاستئصال – صار سياسة هامة تلجأ لها الدول الكبرى لتكريس مصالحها، وهي سياسة يتم- على ما يبدو- تدريسها في مساقات التربية لمستعمرين الجدد.
انتهى التأريخ، وبدأت الحقيقة المفجعة، وهي أننا في هذه المنطقة العربية نتعرض الى عمليات استئصال مشروعة – حسب سياسات الدول المشاركة- لا بل أننا نقوم، نحن بأنفسنا، باستئصال بعضنا لصالح الدول الكبرى، بعضنا مقابل أجر ومعظمنا نقوم بذلك بدون أجر لا بل ندفع من جيوبنا وأرواحنا من أجل استئصال أنفسنا، وهذا يدل على أن حكام الجزر الآسيوية الذي استأصلوا أشجار قرنفلهم، كانوا أذكى منا تجاريا وأفضل منا إنسانيا.
لنلاحظ ما يحصل في عالمنا العربي :
– هناك من يدفع للبعص من اجل استئصال الجماعات المتأسلمة، وهناك من يدفع من أجل زراعتها في أرجاء الوطن.
– هناك من يدفع من أجل استئصال القوميين، وهناك من يدفع من اجل استئصال اليساريين.
– هناك من يدفع من اجل دعم الأنظمة الحاكمة، وهناك من يدفع من اجل استئصالها.
– هناك من يدفع من اجل استئصال الشيعة وهناك من يدفع من اجل استئصال السنة، وهناك من يدفع من أجل استئصال الأثنين معا، وهناك من يدفع من اجل استئصال المسيحيين.
على المستوى الشعبي، نحن الناس، نقوم بالاستئصال ايضا:
-لاحظوا تكاثر الذين يطلبون من اصدقائهم على الفيسبوك وكافة وسائل الإتصال الاليكترونية أن يشطبوهم اذا كانوا يحملون وجهات نظر سياسية مختلفة، وأنهم يقومون بشطب من يعرفون منهم، مع عبارات مهينة وجارجة أيضا.
-لاحظوا في المقالات والكتابات والحوارات..لاحظوا بأن كل شخص فينا يخوّن الآخر، هذا يتهم ذاك بأنه يقبض من قطر وذلك من السعودية وكذلك من ايران وآخر من تركيا أو أميركا.. وفي الواقع فأن القبيضة لا يزيدون عن 1% منا..نحن للأسف نفعل ذلك ببعضنا مجانا لوجه الشيطان، أو لمجرد الجهل فقط لا غير…وكل واحد فينا يعتقد بانه يخدم وطنه وأمته بهكذا موقف من الآخر.
أننا استئصاليون بلا حدود….. «بين أيطسنا» وأنا لا أملك حلولا، ابحثوا أنتم عن الحلول…وإذا لم تجدوا هذه الحلول سريعا، فسوف نتصل ببعضنا، بعد اقل من عقد، عن طريق الصليب الأحمر.