«الرسالة الهمامية» لجماهير الإخوان ومغالطات التاريخ
يكتب الشيخ الجليل همام سعيد رسالة تعزية وصمود لأعضاء التنظيم الإخواني في الأردن بعد عزل الرئيس محمد مرسي، محاولاً إظهار ما حصل أنه ظلم للرئيس العادل، والذي شبهه بالخلفاء، وشتان بينهم وبينه في الزمن والسلوك، فأولئك كانوا لكل الأمة في حين كان مرسي للإخوان، وهو من أقصى النخب المختلفة معه، ومن حصن قراراته ومنعها من الطعن أو النقض، في حين كان عمر بن الخطاب رضي الله يقول: «رحم الله امرءا أهدى إلي عيوبي».
صحيح أن الفقه يكره عزل الإمام، لكن الدكتور محمد مرسي جاء بانتخاب نصف الناخبين وأكثر، وغادر بأغلبية صوت الأمة التي نزعت عنه البيعة، وهو لم يأت بموجب بيعة الفقهاء ليكون محصناً، بل رضي بالثورية والإرادة الشعبية المُغيرة، فكان عليه أن يستجيب لها حين رفضته، وأن لا يكتفي بالإيمان بها حين حملته على أكتافها.
أما استشهادات الشيخ همام التاريخية فمثلومة، وحين يقول:»إن المصريين عاشوا مع الرئيس مرسي أياماً ذكرتهم بالخليفة العادل عمر بن عبد العزيز فهو زاهد كزهده عفيف كعفته، عابد كعبادته..» فذلك وصف مبالغ به، ثاوياً في الماضي، إذ عانى المصريون مع مرسي كما عانوا مع من سبقه، وكرهوا الاستبداد السابق كما كرهوا التفرد بالحكم معه، ومهما يكون له من المبرات والأخلاق والسجايا فذلك لا يُقيم الحكم على تجربته، وفي تجارب الخلفاء ما يجعل الدكتور همام سعيد يعتبر من أنموذج آخر، وهو السلطان عبد الحميد الثاني الذي حمى فلسطين من التهويد وتبنى فكرة الجامعة الإسلامية ليواجه بهاد دعوات الإصلاح والتجديد الحداثية، والذي شيد سكة حديد الحجاز ودعمها، فحين حادَّ عن درب الإصلاح الذي طلبته الأمة وعطلّ الدستور، واجهَ العزل، وتدخل شيخ الإسلام حاثاً عبد الحميد على ضرورة تحقيق مطالب الدستوريين بالاعتزال، ولكنه أبى واستكبر.
ونجحت الحركة الدستورية مرة أخرى وأعلن الدستور من جديد في 23 تموز 1908 والتأم مجلس المبعوثان رغماً عن إرادة السلطان عبد الحميد الذي لم يطل به البقاء أمام قوة الدستوريين الذين أفتوا بخلعه وقعها شيخ الإسلام، وشُكل وفد لتبليغ عبد الحميد بها، وذهب الوفد لتبيلغه بقرار الخلع، وعندما وصلوه وجدوه في إحد الصالونات مرتدياً حلة سوداء. فقالوا له:» الأمة خلعتك»، وسأل عن حياته فأجابوه بالأمان، فاختار أن يقضيها في قصر جرغان، إلا انه انتهى في قصر بسيط في قرية قريبة من سلانيك.
أما قول الشيخ همام في رسالته بأنه في: «..الساعات الأخيرة فقد سجل الرئيس الشرعي أعظم البطولات وكأنه يحكي قصة سيدنا عثمان بن عفان عندما حاصره الظالمون ليتنازل عن الخلافة فأبى أن يخلع قميصاً ألبسته له الأمة، وكذلك كان مرسي، وفي رباطة جأش وقوة شكيمة وثبات قلب..»
فالشيخ الفقيه همام ينسى أن يقدم الأنموذج الأفضل بالزهد في السلطة من قبل سيدنا عثمان وليس التمسك بها، وحقن الدماء كي لا تسيل نقطة واحدة بسببه، على عكس ما يريده أنصار مرسي اليوم من مواجهات دموية وقتل، فعثمان كان قادرا على أن يستنصر بالصحابة لدرء الغوغاء والثوار عنه – مع أن من هم ضد مرسي ليسوا كذلك بل هم نخب وشباب واعٍ- لكنه رفض الاستنصار بهم خوفا من الفتنة، يقول القاضي ابن عربي (ت:543هـ/1148م) في كتابه العواصم من القواصم ص127.: «ولكنه- أي عثمان رحمه الله- ألقى بيده إلى المصيبة»، ويبدو أن هذا الأمر كان مثار جدل عند العلماء إذْ يتابع ابن عربي القول: وقد اختلف العلماء فيمن نزل به مثلها- أي كان في مثل موقف عثمان من خصومه- هل يُلقي بيده، أو يستنصر؟ وأجاز بعضهم أن يستسلم ويلقي بيده اقتداء بعثمان رضي الله عنه الذي افتدى دماء أمته بدمه.
هكذا كان خلق عثمان بن عفان، عفة وزهداً بالسلطة بالرغم من يقينه بأن قاتليه لن يعودوا عنه. أما أن يقال بأن مرسي مثل عثمان الذي هو أندى الناس كرماً وبذلاً للإسلام، فذلك ظلم لعثمان ولموقفه وللتاريخ ولبشرى الرسول الكريم (صلى الله عليه وسلم) له «بدخول الجنة، على بلوى تصيبه» كما يروي البخاري.
Mohannad974@yahoo.com