الايديولوجيات المسلحة
اذا كان هناك مفاضلة – بل مراذلة – بين تكسير عظام طفل بحجر أوالقائه من سطح عمارة بحيث تتحطم جمجمته امام أمه فان الجريمتين رغم كونهما من سلالة واحدة تبقى الاولى اهون من الثانية، لانها اولا بيد جندي محتل، تربى على الكراهية ورضع حليب الثأر اما الثانية فهي من جرائم ذوي القربى الذين يحملون الاسماء ذاتها والمنحوتة من هذه الابجدية، ويصلون ايضا إلى القبلة نفسها!
ما شاهده العالم قبل يومين في مصر وعلى مختلف الشاشات حين ألقي بثلاثة صبيان من سطح عمارة الى الارض، اثار الغثيان والشك في ان هؤلاء الذين فعلوا ذلك من طينة البشر، فلا رادع ولا كابح ولا حتى خيال، لانهم لم يتذكروا اشقاءهم او أبناءهم او حتى طفولاتهم وهم يقترفون الجريمة.
من اجل ماذا؟ فلا اديان ولا نواميس ولا قوانين او اعراف تبيح للانسان ان يتحول الى حيوان اعمى خصوصا اذا كان الخصم ليس ندا في العمر او القوة.
كان يمكن لهؤلاء الاطفال الضحايا ان يعاملوا كأسرى، او حتى رهائن؟ لكن فائض الكراهية وثقافة الثأر حولت جماجم الاطفال الى وليمة سياسية، ما الذي قرأه او سمعه من المواعظ والحكم هؤلاء القتلة الساديون كي يعودوا الاف السنين الى ما قبل الكهف؟
وهل ثمة ما يستحق ان يفعل الانسان باخيه او ابن اخيه ما فعله هؤلاء؟
كنا نظن وبحسن نية او سذاجة ان للعنف حدودا، لكن ما حدث في ايامنا حذف كل الخطوط الحمراء وفي مقدمتها خط الدم، وقد يبطل العجب مما رأينا اذا تذكرنا كيف استل احد الوحوش الادمية بالسكن كبد انسان واكله؟
اين ذهبت كل تلك الاديان والعقائد والفلسفات والثقافات والفنون بحيث يعود ابن ادم الى السطر الاول في الغاب؟
ان عصرا يحدث فيه هذا لا بد انه موبوء بامراض نفسية عصية على الشفاء، واننا نتساءل عن علماء النفس والاجتماع في كل جامعات العرب. واين هم من هذه المشاهد الحمراء؟
كنا نتصور بأن ثقافة العنف لا تحتاج الى ملاحق من التنكيل واكل لحم البشر احياء وموتى.
لكن ما حدث هو ان شهوة القتل حولت بعض البشر الى اسماك قرش ما ان يشموا رائحة الدم حتى يسيل لعابهم على المزيد منه.
وهؤلاء مسكونون بنزعة عدوانية تدفعهم الى الانتحار او قتل اطفالهم اذا لم يجدوا من يقتلوه، فقد انقطعت الوسائل عن الغايات واصبح القتل من اجل القتل فقط.
بعد تلك المشاهد لم يعد العربي آمنا على نفسه وابنائه وثقافته ايضا.
وما نشخاه هو تحول هذا المرضى الى وباء قومي في ربيع الافاعي!!