رمضانيات مبكرة
تحديدا، في هذه الأيام من كل عام، أيام الأسبوع الأخير قبل بدء شهر الصيام، تعلن الكثير من الدول العربية عن وصول شحنات عملاقة من المواد الرمضانية «استعدادا لشهر رمضان المبارك»، كما يقولون، فهم يعلنون في كافة وسائل الإعلام والاتصال الحديثة، وما بعد الحديثة، عن مخزوناتهم وتجهيزاتهم الرمضانية في هذه الأيام- كما أسلفت- ، فيفصّلون ويتفاخرون ويطمئنون المواطنين ويفصحون عما يتواجد في مستودعات دولهم من مواد، على سبيل المثال، لا الحصر، ولا العصر:
– 198طنا من الدجاج المستورد.
– 187طنا من لحوم الأغنام والأبقار.
– حمولة ستة بحور من السمك.
-112 دونما من «قمر الدين»
– 32 حقلا من الأرز.
– 77باخرة من العرقسوس والتمر الهندي، ومشروبات رمضانية أخرى.
طبعا، يسبق هذه الأخبار- بستة أشهر على الأقل – أسماء النجوم والممثلين الذين سيشاركون في المسلسلات الرمضانية، ولا بأس بأسماء هذه المسلسلات، إذا تسربت، وهي غالبا ما تتسرب، ناهيك عن الانسحابات، وبعض الزعل والعتب بين الممثلين والمنتجين والمخرجين، وبعض الفضائح .
ولا ننسى المسابقات الرمضانية وبرامج السهرات والحزازير الفزازير وأسماء الفنانات اللواتي سيقدمنها وألون فساتينهن وأسماء دور التصميم العالمية، ونوع الكحل والعقيدة والمناكير والحمرة والبودرة وكافة مستلزمات التنكر، ومصصم قصة الشعر(كشّة الست)، وطبعا أسماء الفنانات اللواتي رفضن القيام بهذه الأدوار، وتصريحات تنفي بأنهن قد تم استمزاجهن أصلا في الموضوع .
أما نحن، فإن الكثيرين منا يحجز سؤالا ليساله خلال البث المباشر على الفضائيات مع شيوخ متخصصين بالرمضانيات . الغريب أن هذه الأسئلة معروفة ومكررة منذ 14 قرنا ونيف، لكننا لا ننفك ولا نفتأ نسالها كل عام، بمثابرة نملة مفرطة في النشاط .
بشكل عام فإننا نحوّل الشهر الفضيل الى مهرجان للألعاب والتسالي والتساؤلات، ونحوله من شهر عبادات الى شهر فوازير وتسليات. والغريب أننا نقوم بهذه الأمور منذ 14 قرنا، لم تختلف فيها الأمور كثيرا بين أمويين وعباسيين وفاطميين وأيوبيين وسلاجقة ومماليك بحرية ونهرية وجوية وعثمانيين، وما تلاهم ، حتى ساعة إعداد هذا البيان ، كلنا في الهم شرق ، وكلنا نسعى الى الترفيه عن أنفسنا في الشهر الفضيل أكثر بما نقوم به من ترفيه في السنة بأكملها.
طبعا، الترفيه والترويح عن النفس حق بشري يحتاجه الإنسان طوال الوقت، لكننا نبرمج أنفسنا لنتعامل مع الترفيه والتسلية في الشهر الفضيل، لكأنه مهرجان او واحد من الكرنفالات العالمية معروفة.
ينتهي الشهر الشهر الفضيل، وتكون حصيلتنا منه، زيادة عدة كليوغرامات على أوزاننا الثقيلة أصلا، رغم الصيام، وزيادة بضعة إنشات على محيط الخصر، والمزيد من الترهل، مع إفلاس مادي وطفر، سيلاحقنا لعدة أشهر .
وكل عام وأنتم بخير !
ghishan@gmail.com