السفيران
غادر السفير العراقي عمان اثر حادثة المركز الثقافي الملكي،ولم يعد حتى اليوم،ومازالت السفارة العراقية في عمان بلا سفير،سواء السفير الحالي،او سفيرا جديدا،والبرود يطغى على علاقات البلدين.
في المقابل فإن السفير الاسرائيلي في عمان غادر قبل فترة في عز المطالبات بطرده من هنا،ومغادرته جرت لاعتباراته الشخصية او الرسمية او ابتعاداً مؤقتاً عن العاصفة الساخنة ضده في البرلمان.
في المحصلة عاد السفير الاسرائيلي الى عمان،وسكت الغاضبون على وجوده،لان كل غضباتنا موسمية،وتهب مثل النار،ثم سرعان ما تنطفئ.
من مفارقات هذا الزمن ان يحظى السفير العراقي بحملات هجومية تفوق ماحظي به السفير الاسرائيلي،هنا،هذا على الرغم من ان اسرائيل قتلت وشردت الملايين.
أليس غريبا ان لايسعى احد الى رأب صدع العلاقات بين الاردن والعراق،برغم انها علاقات تاريخية بين شعبين وجوارين،من اصل قومي وديني واحد،وبينهما تاريخ مشترك طويل……
في حادثة المركز الثقافي الملكي،وعلى الرغم من اعتراضنا على رد فعل العراقيين الغاضب،الا ان لا احد يجرؤ على الاعتراف ان اختراق مناسبة لسفير دولة عربية يتحدث فيها عن قبور جماعية لأفراد شعبه،اختراق غير محتمل خصوصاً حين يكون الهتاف للرئيس السابق المتهم بقبر هؤلاء.
باتت المزايدات تطغى على العقل،وموجة الكراهية ضد العراقيين وضد سفارة بلادهم،لم تجد احداً ليقوم بعقلنتها قليلا،الا من رحم ربي،من زاوية مصالح البلد،ووفاء لعلاقات عميقة بين شعبين شقيقين وهي علاقات يفترض ان تحتمل كل هذه الضغوطات،ورحمة بالاردنيين والعراقيين الذين يعيشون سوياً طوال عمرهم في الاردن والعراق.
السفير العراقي غادر عمان ولم يعد،والسفير الاسرائيلي غادر عمان ثم عاد،ولم نجد احداً يستفسر عن مآلات العلاقات مع العراق بعد رحيل السفير،ولم نجد احداً يغضب لعودة السفير الاسرائيلي الى عمان،فقد بتنا في زمن تتعاظم فيه كراهيتنا لبعضنا البعض تحت عناوين مختلفة،ولانجد مدخلا للعفو والغفران والتسامح،فيما عدونا الاساس يجد بيننا من يسكت على عودته.
هي مقارنة جائرة اساساً بين سفير بلد عربي ومسلم،وسفير لكيان الاحتلال،لكننا نتحدث عن تزييف الوعي العام،وكيف تداخلت الاولويات،في زمن بات فيه العدو قريباً،والقريب عدواً،بحيث لم ُتفزعنا عودة السفير الاسرائيلي،وتعامينا عن مغزى غياب السفير العراقي عن عمان،بشخصه،او حتى عبر بديل له؟!.
العلاقات الاردنية العراقية بحاجة الى تصويب سياسي على مستوى عال ٍ،وهي دعوة علنية هنا الى المستوى السياسي وكل المستويات البرلمانية والاعلامية والشعبية لعدم التفريط بعلاقاتنا مع بغداد والتنبه لخسائرنا مع جوارنا،لصالح استفراد اسرائيل بدول المنطقة وشعوبها.
العراقي في بغداد والاسرائيلي في عمان..يا له من زمن غريب!.