يا حوت … أطلق قمرنا
لا أعرف تماما، إذا ما كنت شاركت فعلا في المسيرة ، أم أن الأمر حصل على السماع، وربما على القراءة التي ابتكرت مخيلة لم تكن موجودة أصلا ، لكني متأكد أنني شاركت نسبيا، ولو على شكل متفرج جانبي في تظاهرات الاستسقاء التي كانت تمر بحارتنا منتصف الستينيات ، إذْ يحمل الناس لعبة قماشية ما على خشبة ، وهو يرددون بصوت كوريالي :
يا أم الغيث غيثينا
يليها الكثير من الشعارات التي تدعو السماء بأن تحنّ على الأرض وتمطر ماء غزيرا لتسقي الزروع والضروع.
أما ما أتحدث عنه هنا ، فهو التظاهرات الاحتجاجية التي كانت تنطلق فجأة كلما حصل خسوف للقمر …إذْ يتجمع الناس وهم يحملون طبولا أو طناجر تصدر صوتا مزعجا بالضرب عليها بالعصي ، ويشرعون في الصراخ والتطبيل وهم يقولون:
– اطلق قمرنا يا حوت!
وهذا هو الشرف الذى لا أستطيع ادعاءه بثقة تامة ، لكني لا بد شاهدت مثل هذا، ربما في الحلم ، أو أن الوالدة الرؤوم تحدثت في الموضوع بوجودي؟؟؟. ..بالفعل (أي دنت نو).
على كل، يبدو أن هذه هي التظاهرات الاحتجاجية الوحيدة التي لم تكن تقمع في العالم العربي بالغازات المسيلة للدموع وبالرصاص الحي والمتوفى، ناهيك عن الاعتقالات والضرب والسحل ولعانة الحرسة، والوالدين .
ويبدو أيضا، أنها كانت التظاهرات الوحيدة التي كانت تنجح في تحقيق أهدافها ، إذ لا يمر أكثر من ساعة – في أطول الحالات- الا ويضطر الحوت الذي ابتلع القمر ، الى إخراجه من جوفه ، وإعادته الى مكانه الطبيعي لينير ليالي الحصادين. ويعود المتظاهرون الى بيوتهم راضين بعد أن نجحوا في تحرير القمر . وربما كانت هذه التظاهرات تدريبا بالذخيرة الحية على تظاهرات الربيع العربي التي حصلت بعد خمسة عقود.
كان حوتا طيبا أم جبانا أم أهبلا ، ذلك الحوت ، لص الأقمار ، وكان يتراجع ويجبن بسهولة أمام صرخات الناس العاديين ، فيعيد القمر الى مكانه قبل أن تنتهي التظاهرة الاحتجاجية . لكن أحفاد ذلك الحوت ….الحيتان المتعددة التي تستولي على حياتنا ومماتنا وتبتلع اقتصادنا وقراراتنا السياسية هذه الحيتان لم تعد تخشانا، ولم تُعد اي قمر ابتلعته.لا بل هي مستمرة في ابتلاع اقمارنا وأفلاكنا ..وقريبا ستجهز على المجرة باكملها ، إذا تركناها واكتفينا بأن نصرخ باستجداء:
– أطلق قمرنا يا حوت !!
ghishan@gmail.cim