محمد عسّاف يوحّد الفلسطينيين *
وجيهةٌ جداً أَسئلة الصديق، خالد الحروب، في مقالته في “الدستور” الخميس الماضي، عمّا تعنيه متابعة ملايين الفلسطينيين المبدع، محمد عسّاف، في برنامج “عرب آيدول” على “إم بي سي”، فيما يديرون ظهورهم لصحف حماس وفتح وتلفزيوناتهما ومهاترات إِعلامهما. وعمّا يعنيه أَن يكون أَقل عدد زوار مقطع لأُغنيةٍ له على “يوتيوب” أَزيد من مليوني زائر، وبعضها تجاوز خمسة ملايين، أَي أَكثر ممن صوّتوا للحركتين العتيدتين في انتخابات 2006. وعمّا يعنيه أَنَّ المصوتين للشاب المغني من كل الانتماءات الدينية والأَهواء السياسية والطبقات الاجتماعية. يجتهد الحروب في إجاباته عن أَسئلته هذه، وأُخرى غيرها تخصّ المصريين والسوريين والعراقيين في البرنامج الشهير، وإنما تُعاد هذه الأسئلة في هذه السطور لتستثيرَ تأملاً أَوسع في حالة الإزورار العريضة عن رداءات الحالةِ الفلسطينية وتفاهاتها، ومن جديدِها السجال، الظريف والمحزن معاً، ما إِذا كان محمود عباس خرق القانون الأساس في تشكيله حكومة جديدة في الضفة الغربية، على ما تُعلن حماس بخفّة دمٍ ملحوظة، أَو أَنَّ فخامته يلتزمُ بصلاحياتِه في القانون المذكور، على ما تقول فتح بزهو معلن. ولا نظنُّ أَن ملاحقة هذا التخريف على هذه الفضائية وتلك أَبهج من الاستماع إِلى محمد عسّاف وسط جمهور عربي يحتفي بغنائه بحب، وهو فنانٌ يجمع بين الموهبة والقبول وحب الناس والاحتراف، على ما قالت نانسي عجرم، وقولها هذا أَوقع على القلوب والعقول من كلام وزير في رام الله يردُّ فيه على نظيرٍ له في غزة.
يُوحّد محمد عسّاف الفلسطينيين، إِذن، فيما تبرع السلطتان (الحاكمتان؟) في جناحي الوطن، على ما توصَف الضفة والقطاع في لتِّهما وعجنِهما الإنشائي إِياهما، على تقسيمهم إِلى مقاومين مجاهدين متمسكين بالحقوق ومفرّطين مرتهنين إِلى خياراتٍ أَميركية مرتبطين بتنسيقٍ أَمني مع إِسرائيل. ومع غياب مشروعٍ وطنيٍّ مجمعٍ عليه، ومع تخريبٍ يحدُث في الوجدان الفلسطيني العام، لا يعود ثمّة غلو في الزَّعم أَنَّ الشاب، القادم من خان يونس في قطاع غزة إِلى بيروت، ليصدح بصوته الدافئ يوحّد الفلسطينيين ويُذكّرهم بانتسابهم إِلى مجموعٍ ثقافي واحد، وإِلى ما يُلملم المشتركات بينهم، على غير ما تفعل حكومتا محمود عباس وخالد مشعل. وعندما ينشغل وزير الداخلية في سلطة غزة، فتحي حماد، بمراقبة منسوبِ الرجولة في الفضاء الاجتماعي هناك، فإِنَّ حالة الفرح البهية بغناء عساف، وبحضوره وتأَلقه العربي، تصير تمثيلاً مهماً لحالة رفضٍ مؤكدةٍ لدى شرائح واسعةٍ في القطاع الذي تختطفه حماس منذ ست سنواتٍ لفرض نمطٍ معينٍ على الحياة الشخصية، وتقييد الحريات العامة، بدعوى الحفظ على الآداب والأَخلاق، صدوراً عن مفهوم للممارسة الدينية، يخصُّ حماس وحواشيها.
تهذيبٌ ونضوجٌ لافتان يتّصف بهما عسّاف في احترامِه انتقاداتِ مشايخ ومتدينين له ولغنائه، في قوله إِنَّ من حقهم أَنْ يقولوا ما يشاؤون، وإِنَّ ما يهمه أَنَّ غالبية الفلسطينيين تدعمُه وتشجّعُه وسعيدةٌ بما يُقدّمه. وكان في محله تماماً قوله إِنّ الشعب الفلسطيني يعرفُ كيف يفرح، ويبعثُ على الأَمل الكبير به قوله إِنه لن ينسى فلسطين، وسيُقدّم أَيَّ شيء لقضايا شعبِه، وفي مقدمتها قضية الأَسرى. نتابعُ تصريحات النجم الشاب ونُلاحقها، فذلك أَنفع، وأَروحُ للنفس من أَخذٍ وردٍّ بشأن ما يصدر عن أَساطين الحكم الذاتي المحدود في رام وغزة، سيّما حين ينطقون الكلام السقيم إِياه عن الوحدة الوطنية خياراً استراتيجياً لديهم.