الصحفيون ونقابتهم.. واللحظة الحرجة
عندما يفتح يوم السبت المقبل باب الترشح على مقعد نقيب الصحفيين ونصف عدد أعضاء المجلس، فإن الجماعة الصحفية سوف تكون أمام واحد من أهم الاختبارات المطلوب منها أن تظهر من خلالها قوتها، وتبرهن على وحدتها فى مواجهة تحديات اللحظة الراهنة، والتى تصدر للمهنة أوضاعًا شديدة الصعوبة.
تحتاج فى تجاوزها إلى القوة والحكمة مجتمتعين من قبل كل من له علاقة بإدارة العديد من الملفات المعلقة، وأهمها قضية التشريعات الصحفية، والحقوق الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين، وإصلاح بيئة العمل سواء لأبناء المهنة أنفسهم أو للمؤسسات الصحفية القومية والحزبية والخاصة، وإعادة الاعتبار لمهنة الصحافة ذاتها، ولنقابة الصحفيين بوصفها الكيان الجامع لهم، والذى يحتاج إلى تفعيل أكبر وتطوير أعمق أصبح لازمًا تحقيقهما اليوم وليس غدًا.
وبالنسبة للتشريعات، فإن المواد الخاصة بالصحافة فى الدستور الحالى قد جاءت مستجيبة لحقوق المهنة والمنتسبين إليها بشكل جيد يحتاج لترجمته إلى نصوص قانونية لا تلتف على الأصل الدستورى وتحاول إفراغه من مضمونه، وذلك على النحو الذى جرى خلال الأيام الماضية من التذرع بحجج واهية -مردود عليها قانونيًا وعمليًا- من أجل تقسيم قانون الإعلام الموحد، وإصدار الجزء الأول منه باسم قانون التنظيم المؤسسى للصحافة والإعلام، والذى جاء متضمنًا عددًا من الملاحظات فى مقدمتها التشكيل غير المتوازن للهيئتين الوطنيتين للصحافة والإعلام وكذلك المجلس الأعلى، وهو الأمر الذى يدعو الجماعة الصحفية أن تكون حاضرة بقوة وموحدة خلف مطلب عادل فى صدور القانون الذى ينظم شئون المهنة فى أسرع وقت، وبالصيغة التى انتهت إليها لجنة التشريعات الصحفية، والتى قدمت مسودة للقانون بالتوافق ما بين الصحفيين والإعلاميين والحكومتين السابقة والحالية، وبمباركة رئيس الجمهورية، قبل أن تتدخل الحيل السياسية أثناء مناقشة القانون داخل البرلمان، والذى انتهى به الحال كما أشرنا سابقًا إلى التقسيم المتعسف وغير المبرر، والذى يلقى أيضًا بمزيد من الشكوك تجعل من المرجح انتهاء الأمر إلى نص جديد يفرط فى الكثير مما يتضمنه النص الحالى، وذلك ما لم تنصلح النوايا من قبل من يقوم على مناقشة القانون وإقراره من جانب، ويحضر فى المشهد بشكل فعال ومؤثر أصحاب الشأن من الجانب الآخر، مع التأكيد على الحاجة أيضًا إلى تشريعات أخرى مرتبطة بهذا الأمر من بينها قانون حرية تداول المعلومات، وقانون جديد لنقابة الصحفيين.
ومن بين القضايا الملحة فى هذا الملف أيضًا تبرز الحقوق الاقتصادية والاجتماعية للصحفيين الذين يعدون فى مجموعهم -على عكس ما هو شائع- من الفئات ذات الدخول شديدة الضعف، بشكل لا يتناسب إطلاقًا مع أهمية ولا قيمة العمل الذى يقومون به، ولعل الرأى العام الذى يُسأل الصحفيون عن تشكيله إلى حد كبير لا يعلم أن نسبة غير قليلة من العاملين بالمهنة والأعضاء بنقابة الصحفيين، جملة ما يتقاضونه شهريًا أقل من ١٥٠٠ جنيه فى صورة بدل التدريب والتكنولوجيا، ناهيك عن زملائهم الذين لم ينضموا للنقابة بعد، ومنهم أيضًا نسبة غير قليلة تعمل أحيانًا لسنوات طويلة بلا أجر على الإطلاق أو بأجور رمزية، وإذا كان ذلك البدل يصدر بقرار وزارى، فإن الحاجة أصبحت ماسة إلى صدوره بقانون ورفعه إلى مستوى خط الفقر فى ضوء أسعار ما بعد تحرير سعر الصرف، مع التذكير بحكم القضاء الإدارى الذى أقرّ أحقية الصحفى فى الحصول على هذا البدل، والذى يعد على كل حال جزءًا من كل مستحق للصحفى تجاه الدولة، بحيث لا يغنى عن ضرورة الاتفاق على صيغة تعاقدية جديدة بين الصحفى ومؤسسته تحفظ كرامته وتؤمن حقوقه المهنية والمادية فى ظل حد أدنى منصف للأجور.
إن جميع المؤسسات الصحفية بلا استثناء تعانى اليوم أوضاعًا اقتصادية من صعبة إلى كارثية، وقد كانت الدولة مسئولة بشكل مباشر عن مضاعفة تلك المعاناة بسوء إدارة الملفات الاقتصادية بشكل عام، والذى انعكس سلبًا على موارد الصحف من ناحية، وعلى مصروفاتها من ناحية أخرى، الأمر الذى يفرض عليها تحمل مسئوليتها فى دعم تلك المهنة ماديًا وأدبيًا وقانونيًا، ليس دفاعًا عن الصحفيين، وإن كان ذلك حقهم، ولكن فى المقام الأول انتصارًا للمواطن الذى يستحق أن يفتح الجريدة -ورقية كانت أو إلكترونية- أو الإذاعة أو التليفزيون، فيجد الخدمة الصحفية التى يستحقها، والمبنية على التطور والمنافسة بعيدًا عن خلط الملكية بالإدارة فى إطار القواعد المهنية المتعارف عليها دولياً، ومواثيق الشرف الصحفى والإعلامى المعطلة بشكل شبه كامل.
إن الأيام المقبلة الصعبة والحرجة التى تنتظر هذه المهنة السامية ونقابتها العريقة إنما تتطلب من الجميع، ومن مجلس النقابة القادم على وجه الخصوص، أن يكون أداؤه على مستوى المهمة الجسيمة، التى يجوز وصفها بالتاريخية دون مبالغة، وإن الأمل معقود على الجمعية العمومية لنقابة الصحفيين أن يكون حجم حضورها أولًا، وطريقتها فى اختيار مجلسها الجديد ثانيًا، وتوحدها خلف قضاياها العادلة ثالثًا، وارتفاعها فوق الخلافات الشخصية رابعًا- رسالة قوية تجبر كل ذى صلة على قراءتها جيدًا وفهم مغزاها والتجاوب معها بما يحقق صالح الجماعة الصحفية، الذى هو جزء من صالح كل الوطن وعموم المواطنين.