الخارجية ونظرية السياحة الديبلوماسية
من نافلة القول إن السفارات مراكز استخبارية متقدمة لدولها , والسفير ممثل رأس الدولة في البلد التي يرأس فيها بعثة بلاده الديبلوماسية ولذا يقسم أمام رأس الدولة التي يمثلها ويسلّم اوراق اعتماده لرأس الدولة الموفد اليها في استقبالات بروتوكولية تحاكي استقبال رئس دولة .
ولذا من الواجب ضبط حركته داخل الدولة التي يعمل فيها , لأن حركته فيها من الاستخبارات الكثير وبثوب ديبلوماسي , لذا اشتق الفكر مقولة “ وللسفير معاذر “ فالجميع يعلم طبيعة مهمته المسكوت عنها , وضرورة توفير الحصانة لأوراقه وتنقلاته وحقائبه التي لا يسمح بتفتيشها أو الاطلاع عليها .
بالمقابل ثمة قيود على حركة السفراء في الدول , وضرورة استئذان وزارة الخارجية قبل أي زيارة أو حركة سياسية للسفير الى المناطق أو داخل الدولة التي يعمل فيها , وهذه تقاليد واعرا ف ديبلوماسية مُتّبعة في كل دول العالم , لكن الخارجية الاردنية متراخية ولا تقوم بضبط حركة السفراء الذين يتحركون في الأردن وفقا لنظرية السياحة الديبلوماسية وليس التقاليد الديبلوماسية .
فالسفير الأمريكي يتحرك في الأردن كمعزّب ونحن ضيوفه , وتقارير الخارجية الأمريكية مبنية على تواصل السفارة مع مفاصل الحياة السياسية والاجتماعية واتصالاته مع النخب السياسية والنيابية والحزبية , وباقي سُفراء الغرب يمارسون نفس الفعل ولم نسمع عن احتجاج واحد من الخارجية على حركة ونشاط السفراء .
هذا التراخي مع حراك السفراء هو الذي سمح لهم بالاستقواء حد الاعتداء على الاردنيين داخل وطنهم , وهو الذي سمح لسفراء بتجاوز الأعراف والتقاليد الديبلوماسية وسمح لاتباع السفارات بالحركة والنشاط بحسب المواقيت الرسمية لتلك السفارات ودولها وليس وفقا لمواقيت الساعة الأردنية وضوابطها , فما نراه من سفراء دول شقيقة – بحسب فهمنا – فيه تجاوز على كل مفاهيم الإخوة , وعذرهم ان الخارجية منحت سفراء الدول الغربية وتحديدا سفارة وسفير واشنطن هذه المساحة في الحركة فطبّقوا القول “ أحرام على بلابله الدوح , حلال للطير من كل جنس “ .
حركة السفراء يجب ضبطها , ويجب على الخارجية الأردنية ان تمارس دورها السيادي على السفراء دون الاكتفاء برسائل العتب الرقيق فهيبة الدولة أهم من اي علاقة ديبلوماسية مع أي دولة مهما علا شأنها , وهيبة المواطن الأردن اهم من كل العلاقات الرسمية والمنح الاقتصادية , فلا احد يمنحنا منّة او شفقة وهذا نهج اردني خالص طوال عمر الدولة الأردنية , فكل المانحين او المُقرضين لهم مصالح حيوية مع الأردن سواء الاشقاء او الأصدقاء .
أنتج الواقع السياسي في العقد الأخير ظواهر صادمة , ومظاهر انعكست سلبا على هيبة الدولة الاردنية داخليا وخارجيا , والسبب التراخي الرسمي وفقدان البوصلة السياسية والرشاد الديبلوماسي وعدم معرفة الواقع الجيوسياسي للأردن الذي يمنحه قيمة فائضة عن حجمه البشري والجغرافي , و “ لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن احلام الرجال تَضيق “ ونحن نعاني من تراجع في احلام الساسة وتراجع بفهم سيادية وسياسية الوزراء بعد ان بات التكنوقراط سمة السياسة الأردنية , والتكنوقراط لا ينتج هيبة بل في أحسن أحواله ينتج خدمة .
وأبرز منتجات الخارجية الاردنية سياسة السياحة الديبلوماسية بحيث يمشي السفير في الارض الاردنية دون حسيب او رقيب وكأنه سائح اجنبي او عربي يزور المحافظات الاردنية , وليس موقعا استخباريا متقدما لدولته على ارضنا التي تموج بالأحداث وتعاني من ارهاق سياسي واقتصادي , ونعلم أن ثمة نشاطا لسفارات شقيقة وصديقة تعلوه الشُبهة بكثير وسبق ان سمعنا من مسؤولين كبار اتهامات واضحة لهذه الدول وسفارتها وآن الآوان ان تتوقف مهازل السفراء والسفارات على الأرض الاردنية وأن تتصدى الخارجية بحزم لتلك النشاطات التي أظهرت قلة احترام للمواطن الاردني وقلة احترام للاعراف الديبلوماسية في الدولة الاردنية ولا اريد ان اقول اكثر .
omarkallab@yahoo.c