زمزم وسؤال التوقيت
استكملت المبادرة الاردنية للبناء “ زمزم “ الشروط الموضوعية لإنطلاقتها , لكنها تعاني من ظروف ذاتية تُجبرها على استعمال المكابح كثيرا , فالصدام مع الحركة الام ما زال مؤجلا عند مُطلقي المبادرة او على الاقل يرغب المطلقون بتحديد زمان وساعة المواجهة لا ان تُفرض عليهم من الجماعة.
فالمبادرة الاردنية للبناء قرأت بعناية شديدة تجارب المبادرات السابقة وكيف تم الانقلاب عليها من الجماعة الام ولا تريد لتجربة زمزم ان تدخل موسوعة المبادرات المُجهضة مثل الجبهة الوطنية للاصلاح ومبادرة الملكية الدستورية والتجمع الشعبي , بل ان الدكتور ارحيل الغرايبة يتوسع في هذا المجال اكثر خلال حوار مع الدستور فيصل الى استعادة ذاكرة اجهاض فكرة جبهة العمل الاسلامي ذاتها والتي تم تقييدها بأحد عشر ضابطا من جماعة الاخوان المسلمين بحيث تم هروب الكثيرين عن الجبهة المأسورة بقيود الجماعة .
الملسوع من الحساء الساخن ينفخ على اللبن البارد , هكذا حال مبادرة زمزم الخارجة من رحم اعضاء لهم وزنهم داخل جماعة الاخوان والجبهة ونجحوا في استقطاب مئات قليلة لمبادرتهم التي لا تستهدف تجاوز الجماعة بقدر ما تستهدف تجاوز الازمة داخل الجماعة وداخل باقي مكونات اللعبة السياسية في الدولة الاردنية , فالمبادرة ليست جيلا جديدا من الحركات الاسلامية او “ سوفت وير “ طازج من الاحزاب الاسلامية او ذات الملامح المختلطة او الهجينة .
فكرة المبادرة فكرة نبيلة وتحتاجها اللحظة الاردنية الراهنة والسؤال عن توقيتها او لازمة “ لماذا الآن “ التي تطارد كل المبادرات والاسئلة الحيوية يجب ان تتوقف فكل توقيت له مبرراته ومسوغاته وهذا السؤال قابل للطرح في كل زمان ومكان , وعلى المبادرة ومن يناصرها ان يبتعد عن الاسئلة الدائرية او الاسئلة المفتوحة التي تسبب الارهاق الذهني والبدني على حساب المسافة المقطوعة فالركض داخل الدائرة يجلب الدوار فقط .
زمزم تسعى الى انتاج حالة توافق تُفضي الى ارساء ثقافة التمكين المجتمعي في مواجهة ثقافة المُخلّص او المُنتَظر السائدة اردنيا وعربيا , سواء كان الغائب او المخلص حزبا او فردا وتريد النأي عن استصراخ المعتصم الذي يتبدى تارة في حزب مخلّص او زعيم ملهَم , لصالح المجتمع القادر على ضمان دورة صناديق الاقتراع واحترام مخرجاتها كل اربع سنوات وتوليد ثقافة التنافس البرامجي بدل التصارع الفردي او استقواء برنامج الحزب الواحد او الطبقة الحاكمة عبر توحيد القاعد السياسية بالاتفاق على قواعد اللعبة ومن ثم التنافس بين اللاعبين , فلا يجوز ان تبقى قواعد اللعبة مفتوحة دون ضوابط او منهاج وقابلة للتغير او التغيير كلما اقتضتها حاجة طرف او حكومة او حزب .
القلق داخل الجماعة من زمزم وحراك مُطلقيها ليس تعبيرا عن نرجسية حزبية ترى في المبادرة شقّ عصا الطاعة عن الجماعة فقط ولا انكار لضرورتها وحاجة المجتمع اليها بدليل انها تريدها مبادرة من الجماعة لا من خارجها , فالقلق الرئيس من ثقافة المبادرة التي تتحدث عن تمكين المجتمع من إلغاء الوصاية عليه حتى الوصاية الدينية , فالمبادرة تطرح استرداد المجتمع وصايته على الاسلام بعد ان اختطفت الوصاية على الاسلام فئة او حزب او طائفة , وهنا بيت القصيد فالوصاية المجتمعية تعني انفلات وصاية الجماعة الافتراضية على النص والفتوى وانفلات الحاضنة من بيت الطاعة الحزبي وحينها لن يتبقى للجماعة الا المبادرة الواقعية او الارضية ويصبح التنافس نزيها وقابلا للقياس على مسطرة التطبيق الوطني وليس على مقياس الفضاء الافتراضي المسنود بالفتوى الخالصة من النفع .
اللحظة تحتاج الى مبادرات كثيرة لإذكاء ساحة التنافس ولا يجب معاقبة زمزم على انطلاقها بل دعمها وتوفير الاجواء لانطلاق مبادرات اكثر فالحركة السياسية هي التي ستزيل الماء السياسي الآسن وتضمن تفاعله وتجدده وتوفر للفرد الاختيار المتعدد وتلغي ثنائية الاخوان والحكومة التي اوصلتنا الى الانسداد السياسي او ما يشبه الانسداد .
omarkallab@yahoo.com