حول ما جرى في مجلس الأمن
ما جرى في مجلس الامن كان مثيرا إلى حد ما، ليس فقط لجهة الموقف الذي تبنته الدول الأربع (نيوزيلندا، ماليزيا، السنغال، فنزويلا)، والذي فرض إعادة القرار بعد سحبه ، بل أيضا لجهة الموقف الذي اتخذته واشنطن بالامتناع عن التصويت، ونعني هنا إدارة أوباما الذي يبدو أنه وصاحبه كيري أرادا رد إهانات نتنياهو المتكررة لهما في آخر أيامهما في البيت الأبيض، وهو ما أدركه ترامب الذي لم ينتظر كثيرا، فما هي سوى دقائق حتى غرّد عبر تويتر بأن “ما بعد 20 يناير (أي موعد دخوله البيت الأبيض) سيكون مختلفا”.
فيما يتعلق بالاحتفال بالقرار، ثمة حقائق ومعطيات لا بد من التوقف عندها، حتى لا يجرفنا الموقف نحو مسارات تعزز حالة التيه التي تعيشها القضية راهنا، بدل أن يمثل منطعفا لتغيير حقيقي في السياسات.
ابتداء، انطوى القرار على نص بالغ السوء، يقول: “يجب تعزيز الصراع ضد الإرهاب عن طريق توسيع التنسيق الأمني بين إسرائيل والفلسطينيين واستنكار الأعمال الإرهابية (عمليات المقاومة بطبيعة الحال) بشكل واضح”.
يجب التذكير أيضا بأن القرار لم يتضمن أية آلية للتنفيذ، وبالتالي، فهو لا يمثل خطرا على برنامج الاستيطان الذي سيتواصل. وقد لخص وزير الإسكان الإسرائيلي الموقف بالقول: “على الأمم المتحدة مواصلة الإدانة لأننا سنواصل البناء وتثبيت وترسيخ المستوطنات”.
البعد الآخر الذي يعنينا هو أن اعتبار القرار منعطفا جديدا للسياسة الأمريكية حيال القضية الفلسطينية ليس صحيحا بحال، فالقادم إلى البيت الأبيض سيكون الأكثر دعما للكيان الصهيوني في تاريخ الإدارات الأمريكية، ولا حاجة للتكهن في هذا الصدد، وحين تحضر أمريكا والفيتو، سيكون بالإمكان القول إن أي شيء ذي قيمة لا يمكن أن يصدر من مجلس الأمن تحديدا ضد الاحتلال، كما أن الآخرين الذين وقفوا مع هذا القرار، ومنهم الدول الأوروبية وروسيا لن يكونوا بالضرورة مع قرارات أخرى تؤثر جوهريا على واقع الاحتلال.
ما يجب أن لا ننساه هو أن القضية الفلسطينية لم تكن تعاني من فقر في القرارات الدولية، بمنطق من يؤمنون بالتسوية السياسية، فهناك قرارات معروفة، مثل القرارين (242 و338) لا ترفض الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 67 وحسب، بل تؤكد على أنها أراضٍ محتلة ينبغي الانسحاب منها، فما الذي جناه الفلسطينيون من ذلك. كما نتذكر قرارا تاريخيا من محكمة العدل الدولية في لاهاي عام 2005، وكان أقوى من القرار الأخير، ولم يلبث أن طواه النسيان من السلطة، ومن الوضع الدولي أيضا.
الكيان الصهيوني كان ولا يزال طفل الغرب المدلل، وهو اليوم يزداد دلالا، وما نشهده من علاقات استثنائية بينه وبين روسيا دليل على ذلك، والتعويل على أن أي قرار دولي سيغير من المعطيات على الأرض هو وهمٌ كبير لا ينبغي أن يتورط فيه العقلاء.
هنا نأتي إلى البعد الأسوأ في التعاطي مع هذا القرار، وسواه من خطوات سياسية ودبلوماسية سابقة أو لاحقة، وهو المتمثل في جعل هذا المسار بديلا عن المسار الوحيد القادر على فرض التراجع على الاحتلال، إلا وهو مسار المقاومة، فمن دون أن يغدو الاحتلال مكلفا للغزاة، فإنهم لن يتراجعوا، كما أن الحديث عن أن نبذ المقاومة يثير تعاطف العالم هو وهمٌ أيضا، لأن العالم يحترم من يقاومون، وليس من يستسلمون ويقبلون بواقع الاحتلال، وما يمنحه من فتات، حتى لو استمروا في الصراخ اللفظي أو التعويل على الكرم الدولي.