والله لنكيّف
قرأت –على ذمة الراوي- عن طريقة إعدام صينية قديمة، تعتمد على الطلب من المحكوم بالإعدام بإختيار نوع واحد من الطعام(رز، لحم، دجاج، سمك، وهكذا)، وبعد الإختيار الأخير الذي يقوم به المحكوم، تشرع إدارة السجن في إطعامه هذا النوع بشكل مستمر …مثلا: فطور رز، غدا رز ، عشا رز ..فطور غدا عشا رز في رز في رز في رز ، أو لحم في لحم في لحم في لحم، أو سمك في سمك في سمك في سمك .
ويقول الراوي ، بأن هذا التوحيد في نوع الطعام كان يقوّض جسد المحكوم في الإعدام ، وبعد أن يتربرب خلال الشهرين الأولين ، يشرع في النكوص والتراجع، فيتحول الى مجرد جلد اعلى عظم ….ثم يموت . وأكثر محكوم صيني بالإعدام صمد في هذا النوع من الإعدامات ..صمد ستة أشهر فقط لا غير ، وربما مات معظمهم قبل إنهاء الشهر الخامس.
لاحظوا أن ما يزبط على الشعوب الأخرى لا يزبط علينا نحن العرب ،ولو أن الصينيين سجنوا اعرابيا منذ القرن الميلادي الأول ، لكان حيا حتى الان يأكل من ذات الوجبة. وتقول الأنباء المتواردة أن الأمبرطور الصنيني (ما صار شي) أصدر بمناسبة الإحتفال بعام القرد عفوا عاما عن المحكومين بالإعدام ، لكنهم لم يستطيعوا أخراج صديقنا العربي من زنزانته لأنه صار أتخن وأثقل وزنا من أن يخرج من بوابة الزنزانى لا بل بوابة السجن الخارجية أيضا، فاضطروا الى إبقائه في السجن والتكفل بإطعامه ، حتى ساعة إعداد هذا البيان.
وبدون أن نضحك على بعض ، فقد عاش من هم أكبر مني ومن هم في جيلي، على وجبة واحدة لعدة سنوات ..خبز وشاي …شاي خبز …خبز ما شاي ..شاي مع خبز ، وما شايهها: مجدرة .مجدررة ..مجدرة مجدرة مجدرة….والدايم الله. ومع ذلك لم اسمع أن واحدا منا مات بالتجدر(من المجدرة) أو بالتشيي(من الشاي) أو بالتبندر(البندورة) أو بالتعندس(العدس)…. لا بل أن الجراثيم والأوبئة كانت تأنف من أن تدخل الى أجسادنا ، وما زلت حتى الان لا أعاني من أي مرض جسدي، ومعدتي تجرش الصخر.
وعلى طريقة الداوروينية الإجتماعية التي تطبق ما يكتشف في العلم على سيرة المتّحدات البشرية – يعني المجتمعات- ، فإننا نتعايش مع الظاليمن والفاسدين قرونا وقرونا دون أن نفنى ولا نستحدث ، ولا نتحول من شكل الى آخر.
حكمنا المغول والتتار والفرس والأيوبيون والأخشيديون والمماليك البرية والمماليك البحرية والمماليك الجوية ، والصفويون، ثم حكمنا العثمانيون لأربعة قرون ، وجاء بعدهم الأنجليز والفرنسيون ومع ذلك لم نمت وبقينا على حالنا وأحوالنا ، كما تركنا أخر خليفة عباسي قتله هولاكو، لكأننا نعيش على هامش التاريخ والجغرافيا والهندسة الإقليدية، وعلم نفس النمو.
مش بس هيك كمان ، فإننا عندما حاولنا التحرر من نير الطغاة والظالمين والفاسدين – بواسطة الربيع العربي- تحررنا قليلا، ثم اصاب اجسادنا الإجهاد والأمراض ، وصرنا نهلوس ،لدرجة أن بعضنا ينوي الرجوع الى مرحلة الظالمين الفاسدين ، بعد طلب الصفح والغفران منهم.
اتمنى أن يحتلنا الصينيون ويحكمون علينا بالإعدام عن طريق الحاكم الواحد، ويطعموننا الطعام الواحد….بالتأكيد ستعلن الصين إفلاسها خلال عقود، ثم نستولي عليها كاملة مكملة ونبرطع..والله لنكيّف.
ghishan@gmail.com