0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
previous arrow
next arrow

"شوية حُبّ"

عندما تُطلّ الرومانسية من كُمّ الغروب.. يهتزّ لها ورق الزنبق الكثيف فيصنع تصفيقاً ربيعياً للحظات، تنتشي عروق الريحان المزروعة في “تنك السمنة” و”زيت القلي” فتعطّر المساء برائحة رائقة وبذور سوداء صغيرة تنزل تحت الجدار..وتشرع فتاة بــ”شطف ” قاع الدار استعداداً لسهرة ستبدأ بعد ساعة أو ساعتين..ختيار يقوم “بتكييس” عناقيد العنب من دالية ممتدة وكبيرة و كريمة..أما صوت المطربة وردة فيأتي خفيفاً خفيفاً من كافتيريا يوسف “المصري” وهو يحضّر عجنة الفلافل المسائية..

 

بعد العشاء كانت موسيقى استراحة المساء – المأخوذة من  أغنية أم كلثوم “القلب يعشق كل جميل”-  تصدح من كل الشبابيك والدكاكين وعرائش السهرات..يلي هذه الموسيقى  عرض لأهم البرامج في تلك الليلة تقرأه المذيعة المناوبة في التلفزيون الأوحد والوحيد..

 

في الثمانينات..كان طَرْق الشاكوش في خشب الطوبار القادم من بعيد يطربني، ويطربني كذلك صوت “الجرافة” وهي توسّع لبيت جديد في الحي..في الثمانينات كنت أُعجب بصوت “تقحيط” الكريك في آخر “الجبلة” ، وتأسرني رائحة البلاط الصيني المنقوع في البراميل ..و رائحة  “التريلا” المعتقة بالسفر والصحراء التي “بيّتت” للتو  في حارتنا بعد سفرة قصيرة إلى بغداد.. كانت البلد كلها في حالة بناء ونمو وتقدّم  ونهضة وحُب..

 

في الثمانينات.. اذا ما مرّت “زفّة عريس” من الشارع القريب تقف النساء جميعهن في “البلكونات” يرمين الحلو والتوفي والأرز…وإذا ما سُمع صوت سيارة شرطة او “امبلانص” كل شهر أو شهرين مرة في المدينة تجد سكان الحارة جميعهم خرجوا  من الشبابيك والبوابات ووقفوا “بالشرفات” وهم يرتدون البيجامات والدشاديش و”الفانيلات” و”الشورتات” ليروا ماذا حدث والى اين تذهب تلك الإسعاف …

 

الآن كل خمس دقائق تمر سيارة إسعاف وسيارة نجدة واطفائية ولا أحد يكترث لها حتى لو وقفت أمام بيته..ترى ماذا جرى لنا ؟؟ لم نعيش بكل هذه الطوارىء وهذا الهلع وهذا القلق وهذه الانفرادية والضوضاء المضاعفة..حتى الزنبق لم أعد أراه سوى بأرشيف صور  “جوجل”..كما ان الريحان لم يعد ينبت سوى في كلام الشعراء..ويوسف المصري لا أدري أين هو الآن..كما لم أعد أسمع  كما كنت طرق “الشواكيش في خشب الطوبار” ..ولا رائحة البلاط المنقوع في البراميل ولا حتى الاسمنت الرطب المجبول للتو…كل ما يتم  ويجري اليوم يجري مكتوم الرائحة والبهجة بغير نفس أو  شهية…

 

كم أشتاق الى أردن الثمانينات..عندما كانت البلد امرأة فتيّة تتفتّق نمواً وبناءً ونهضة و”شوية حب”…

 

آآآه يا بلد..كم نحن بحاجة إلى  الــ”شوية حب” هذه..

 

 

 

احمد حسن الزعبي

 

ahmedalzoubi@hotmail.com