هل صنع الإنترنت جيلا من الكسالى؟
توصل باحثون إلى أن أبناء جيل الألفية هم أكثر تعبيرا من جيل “إكس” وجيل “الطفرة السكانية” عن معاناتهم من سوء أدائهم وإنتاجهم في العمل. ويعود سبب ذلك إلى إنشغالهم بهواتفهم النقالة، وكسلهم نتيجة انغماسهم فيما يشد انتباههم على مواقع الإنترنت.
يُحتمل أن تكون مقاومة إغراءات التكنولوجيا تحدياً أكثر صعوبة بكثير بالنسبة للأطفال والمراهقين الذين ولدوا بعد جيل الألفية. فأكثر من 70 في المئة من الأطفال الأميركيين في سن 8 سنوات أو أقل استعملوا جهازاً نقالاً للقيام بنشاط ما في عام 2013، بينما كانت النسبة 38 في المئة فقط في عام 2011، وذلك وفقا للإحصائيات التي حصلت عليها منظمة “وسائل إعلام التفكير السليم” عندما أجرت استطلاعا لآراء أولياء الأمور.
ومع ذلك، يزعم أبناء جيل الألفية أنهم يريدون أن يجذبوا الانتباه إليهم، إذ قال 70 في المئة منهم إنهم مهتمون بتعلم كيفية تعزيز تركيزهم، وفقا لما ورد في استفتاء أجرته مؤسسة “جي. دبليو. تي. انتيليجانس” عام 2013 للبالغين في الولايات المتحدة وبريطانيا. والمؤسسة ذراع بحثية تابعة لوكالة إعلانات “جَي. والتر تومسن”.
إلا أن بعض الخبراء يقللون من أهمية التزام أبناء ذلك الجيل حقاً بتغيير أساليبهم ونهجهم. فعندما أبلغت غلوريا مارك، أستاذة نظم المعلومات بجامعة كاليفورنيا في إرفاين بالولايات المتحدة، طلابها بأن يتتبعوا أثر استعمالهم للأجهزة التقنية لمدة اسبوعين، اندهش معظمهم لكثرة الوقت الذي يقضونه في استخدام الإنترنت.
وقال الطلاب إنهم يودّون تحسين فترة انتباههم فيما يؤدون من مهام، إلا أن المفارقة كانت في رغبتهم أيضا في استعمال التكنولوجيا لتساعدهم في التقليل من الوقت الذي يقضونه في استعمال نفس تلك التكنولوجيا.
تقول غلوريا “إنهم لا يرغبون في تغيير أنفسهم جوهرياً. وبدلا من ذلك، يريدون وسائل خارجية لتساعدهم في ذلك”. ويتمثل ذلك في استخدام تطبيق تكنولوجي يمنع مؤقتاً محاولاتهم الاطلاع على بريدهم الإلكتروني، أو يحجب عنهم مؤقتاً مواقع التواصل الاجتماعي.
ولأن العديد من الناس يفتقدون إلى الانضباط الذاتي لمنع أنفسهم، عمد بعض أرباب العمل إلى اتخاذ خطوات للحدّ من إغراءات التكنولوجيا. فهم يضعون سقفاً لحجم البريد الالكتروني داخل الشركة ويحددون إمكانية زيارة بعض مواقع الانترنت ويمنعون استخدام الهواتف النقالة أثناء الاجتماعات.
ولفتت “أتوس”، وهي شركة عالمية لخدمات تكنولوجيا المعلومات في فرنسا، انتباه الكثيرين في عام 2011 عندما أعلنت عن هدفها المتمثل في منع استخدام موظفيها للبريد الإلكتروني تدريجيا للوصول إلى منعه بتاتا.
يقول مارك بوفنز، الرئيس العالمي لقسم التعاون وتبادل المعارف في شركة أتوس “تعوّد الناس على الشكوى من الرسائل البريدية التي غالباً ما كانت تأخذ أكثر من ساعتين من يوم العمل. أما الآن، فهم يتحكّمون في مصدر المعلومات التي يودّون استلامها”.
وفي كل عام، تدعو جامعة “بكنيل” في بنسلفانيا بالولايات المتحدة طلابها وأعضاء هيئة التدريس، وكافة العاملين فيها، للمشاركة في مسابقة باسم “دانسينغ مايند” (أو الذهن الراقص)؛ وكل ما عليهم القيام به هو إغلاق أجهزة الكمبيوتر، وهواتفهم النقالة، ومواصلة القراءة بدون انقطاع لأربع أو ثماني ساعات.
ورغم أن المشاركين يعربون عن المشقّة التي يلاقونها نتيجة إغلاقهم هذه الأجهزة، إلا أن العديد منهم يجد الأمر مريحاً ومنعشاً، على الأقل لفترة من الوقت.
وشاركت هيذر هينّيغان، وهي من مسؤولي جامعة “بكنيل”، في تلك المسابقة، واستذكرت ما شعرت به آنذاك قائلة “شعرت وكأني في منطقة وسط بين الواقع والخيال”.
لكنها وجدت أن الأمر بمثابة “علاج”. ولفترة أسابيع قليلة، كانت تغلق هاتفها النقال بشكل منتظم لمدة ساعتين متواصلتين.
ومع ذلك، تبيّن لها في نهاية المطاف أن قطع جميع الاتصالات مع الأصدقاء وأساتذة الجامعة أمر غير مريح بتاتاً. وتضيف هينّيغان “إنها مادة مخدّرة؛ إنها إدمان”. حتى أنها تتخيل أحياناً شعوراً وكأن هاتفها النقال يهتز في جيبها، علماً بأنه موجود في الواقع داخل حقيبتها.
وتتابع “أشعر وكأني سافتقد شيئاً ما إذا ما انتظرت لأتحقق من رسائلي النصّية، وبريدي الإلكتروني. أشعر بأمان، وبأني مرتبطة بهذا العالم عندما يكون هاتفي بجانبي”.
وحضرت أودرا هاوارد، التي تبلغ من العمر 29 عاما، وتعمل مديرة لقسم الحلول في شركة أطعمة الحبوب العملاقة “جنرال ميلز”، دورة تدريبية لرفع القدرة على التركيز، والتي أقامتها الشركة. وأصبحت الآن تمارس بعض التدريبات باستمرار في غرف الاجتماعات الصغيرة بالشركة المجهزة بوسائد خاصة تعرف بوسائد التأمل.
ويتعلم العاملون في الشركة، الذين يحضرون الدورة الممتدة لسبعة أسابيع، القواعد الأساسية للتأمل واليوغا. كما يتعلمون أيضاً أهمية التركيز في اللحظة التي يعيشونها، بدلاً من التفكير في جميع المهام التي تنتظرهم خلال يوم العمل.
وتقول أودرا “غيّرت كثيراً من سلوكياتي منذ إنهائي تلك الدورة. فقد توقفت عن حمل هاتفي النقال طيلة الوقت أثناء العمل، وبالتالي لم أكن اتفقده باستمرار. وبدأت أسأل نفسي إذا كنت احتاج فعلا لجهاز الكمبيوتر لتسجيل الملاحظات، لأني لو فتحت شاشته فسيكون بريدي الإلكتروني أيضاً بانتظاري لألقي عليه نظرة”.-(بي بي سي)