فلسطينية عشقت كرة القدم تحولت الى مديرة علاقات في الفيفا
وكالة الناس – هنا ثلجية زهرة بيت لحم ابنة (32) عاما سجلت رحلة كفاح هي الاجمل، عاشت منذ نعومة أظافرها مختلفة عن أقرانها ، تلعب بكًرتها بعيدة عن الدمى في حيّها المحاصر بالدبابات الإسرائيلية قرب كنيسة المهد في بيت لحم،”فلا مناص لي للخروج من هذا الضغط النفسي والمعنوي سوى لعبة كرة القدم ” بهذه الكلمات تفسّر سبب حبّها لكرة القدم.
قصة حياتها ارتبطت بمعشوقتها (كرة القدم) التي حملتها فيما بعد، لتتولى منصب مديرة العلاقات العامة في حاضنة كرة قدم العالم (الفيفا) وسفيرة للسلام والرياضة ، فبالرغم من مرارة تلك الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي أحاطت بها، فإن ذلك لم يحول بينها وبين رياضتها المفضلة، في قصة عشق تروي تألقها في سماء الارادة والعزيمة .
وتستذكر حينما اكتمل قمرها في الرابعة عشر من عمرها ، محاولَة أبناء مجتمعها ثنيها عن ممارسة هوايتها، بحجة انها سبب لخشونة (الايدي الناعمة)، عبثا واصفين إياها ب(حسن صبي)، ليطال هذا التأثير والدها الذي امتعض بشدة محاولا هو الاخر إيقافها عن اللعب بشتى الطرق لكن دون جدوى أمام اصرارها، فرفع راية استسلامه عن محاربته لرغبات ابنته . وتستطرد قصة نجاحها في ورشة تدريبية لتغطية الوقائع والاحداث الرياضية، عقدت في وكالة الانباء الاردنية (بترا) بدعم من مؤسسة شيرزنان غلوبال ، كمنصة لدعم الاعلام للصحفيات المسلمات في قطاع الرياضة، بأنها عاشت في بيت متواضع مع اخوتها الاربعة في غرفة واحدة، ” لا أحلم بحذاء أو تيشيرت من ماركة عالمية ، بل همي الوحيد امتلاك كرة بسيطة، أشعر معها بأنني أملك الكون بأسره” على حد تعبيرها، في الوقت الذي يسعى والدها استكمال تعليم أبنائه، فكان له ما أراد بإنهائها دراسة الثانوية العامة بنجاح في العام 2002، تحت ظروف حصارية صعبة.
وتفخر ثلجية بأن هذا الاصرار الذي تأتّى من شخصيتها ” الثورية المتمرّدة” لم يذهب هباء ، ففي العام 2003 تزامن التحاقها ببرنامج البكالوريس (إدارة أعمال) في جامعة بيت لحم، اخماد نار الانتفاضة، فكانت الفرصة مناسبة عندما رأت إعلانا على لوحة اعلانات الجامعة ، تدعو الراغبات بالالتحاق للفريق النسوي لكرة القدم مراجعة الدائرة النسوية، فكانت بمثابة بارقة أمل لها ، في تشكيل أول فريق نسائي لكرة القدم من خمس زهرات جامعيات ، وكانت الكابتن والقائد لهن ، تعمل على رفع قدراتهن وتدريبهن ، وتسارعت الصحافة العبرية حينذاك بالكتابة عنهن بوصفهن (فريق الاحلام)، ونجحن حينها بطرق أبواب الاهالي لاقناعهن باستقطاب المزيد من بناتهن في الانضمام اليهن.
وتستكمل ثلجية حديثها بأن البداية كانت موفّقة إذ أصبحت الكرة في ملعبها، فانضمت في العام 2004 كعضوة في الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم ، ومن ثمّ تم اعتماد منتخب وطني نسوي في الاتحاد رسميا في العام 2005، استطاع منتخبها في ذلك العام لاول مرّة في تاريخه باللعب خارج أرضه عندما رأى النور في الاردن أمام المنتخب الاردني النسوي لكرة القدم، فاز المنتخب الاردني حينها بتسعة أهداف نظيفة.
وبالرغم من قناعتها في ذلك الوقت بفارق المستوى التدريبي والفني بين المنتخبين، فإن ذلك لم يمنع منتخبها من استكمال عزيمتهم في اللعب أمام المنتخب الاردني النسوي مرة أخرى في الاردن في العام 2008، إلا أنها عزت خسارة منتخبها في ذلك الوقت لكبر مساحة الملعب، الامر الذي لم تعتد اللعب عليه قط. أما عام 2009 فيعد حدثا تاريخيا واستثنائيا بالنسبة لها ولشعبها وفاتحة خير لمنتخبها النسوي، في إقامة أول مباراة دولية على أرضه في استاد الشهيد فيصل الحسيني الدولي في بلدة الرام شمالي شرقي القدس ، ذلك أن الحواجز الاسمنتية التي وضعها الاحتلال الاسرائيلي على مقربة من هذا الملعب، لم تحول دون تحقيق إرادة الشعب الفلسطيني في ممارسة حقه باللعب، إذ لعب المنتخب الفلسطيني النسوي لكرة القدم مجددا مع المنتخب الاردني بحضور أكثر من 15 ألف مشجع . كما ان تحدي الاصابة ولّد فرصا أكاديمية لها وغير مسار حياتها الى مستويات عالمية، ففي العام ذاته تعرضت لقطع في الرباط الصليبي لركبتها اليمنى، خضعت حينها لبرنامج علاجي ، لكن دون جدوى ، فأّجريت لها عمليتين جراحيتين في الاردن في ذلك العام، فيما توالت الاصابة في نفس الركبة أثناء استعداداتها التدريبية للمشاركة في المباراة الدولية أمام المنتخب الأردني، مما استدعى تدخل جراحي آخر في المانيا فكانت محطة انتكاسية فاصلة في مسيرتها الرياضية، إذ ألزمها الامر بالاعتزال، فبكيت حينها بكاء لم تبكِ مثله يوما.
جففت دموعها وجمعت زمام أمورها ونهضت من جديد، وفي عينها أمل لكتيب أهدته زميلتها منذ العام 2006 لتعبئته وتقديمه للفيفا للظفر بمنحته في دراسة برنامج ماجستير الادارة الرياضية، فشعرت حينها بان الفرصة مؤاتية لاستكمال مشوار حياتها، بعد ان أجّلتها منذ وقت سابق منشغلة بشيء أهم على حد تعبيرها في استقطاب المزيد من لاعبات كرة القدم، وكان لها ما أرادت إذ وصل عدد اللاعبات المسجلات الان في الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم نحو 500 لاعبة. وتواصل صعود سلّم النجاح بتعينها في العام 2012 مديرة للعلاقات العامة في الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، كأول امرأة عربية تتولى منصبا في هذا المجال بجدارة، وبإيمانها المطلق بأنّ الاردن هي واحة الامان والديمقراطية والاستقرار وسط محيط ملتهب واضطرابات سياسية في المنطقة، استغلت دورها التنفيذي في الفيفا في عكس الصورة المشرقة للاردن والترويج لها في إقامة كأس العالم للسيدات تحت 17 سنة ، وكان لها ما أرادت اذ أن استضافة الاردن لهذا الكأس، جعل ذلك محط أنظار وإشادة واهتمام عالمي معتبرين إياها من أفضل (البطولات) بلا منازع.
لم تكن تعلم (هَنِي) – الاسم الاجنبي المترجم الى العربية (العسل )- يوما أن بنشاطها كنحلة يكون لها من اسمها نصيب في أن تذوق حلاوة عسل الانتصار نتيجة هذا العمل الدؤوب، فكما حققت حلمها ترنو قُدما الى تحقيق المزيد من حلم النساء في احراز مكانتهن رياضيا باعتبارها أنموذجا للمرأة العربية الرياضية.