تزايد أعداد المصابين بإضطرابات نفسية جراء كورونا
وكالة الناس – يحذر خبيران نفسيان من «جائحة نفسية تقارب على الانفجار» جراء تداعيات جائحة
كورونا.
ويعبر الخبيران عن توجسهما من الآثار المصاحبة لاحتمالية حظر جديد، قد يطول،
ويلفتان إلى أن تأثيرات «كورونا» لم تعد تقتصر على الصحة الجسدية وإنما جاوزتها إلى
الصحة النفسية للأفراد.
ويحذر الخبيران من تأثيرات الخوف والقلق وما يرتبانه من تزايد عدد المصابين بأمراض
نفسية وتعمق الحالات الموجودة أصلا، وكذلك التأثيرات الناجمة عن العزلة والوحدة
على الأفراد والأسر والمجتمع، ويعرضان لجملة من المقاربات لتخفيف حدة هذه الآثار
النفسية على المواطنين..
ويتوقع استشاري الطب النفسي الدكتور عبدالرحمن مزهر ظهور مصطلح طبي
جديد في الأوساط الطبية النفسية وهو «جنون الحظر» أو «جنون كورونا» جراء تداعيات
جائحة كورونا. واستند مزهر في توقعه على الدراسات والمسوحات التي أجريت في
عدة دول أثناء الجائحة فيما يتعلق بالآثار النفسية. ولاحظ أن هذه الدراسات أظهرت
ازدياد نسبة الأشخاص الذين أصيبوا بالقلق العام والاكتئاب والوسواس القهري بسبب
الجائحة. ويلفت إلى أنه رصد تصرفات عديدة ظهرت على كثير من الأشخاص محليا،
تتوافق مع نتائج هذه الدراسات، إضافة إلى نوبات العنف والغضب غير المبررين وكذلك
الشك والأوهام المرضيين التي صارت تنتاب الأزواج بسبب جلوسهم لساعات على
الهاتف بسبب الحظر.
ويُرجع مزهر أبرز أسباب ارتفاع نسبة الأشخاص المصابين بهذه الأمراض خلال الجائحة
إلى «القلق والخوف الزائدين من المستقبل المجهول، والضيق الذي تسببه الضائقة
المالية» التي تعتصر معظم الناس. فضلا عن «عدم وضوح الرؤية واليقين بما يتعلق
بالمستقبل وتزايد نسبة البطالة التي تفضي إلى الاكتئاب».
ويؤشر مزهر إلى أن نسبة الأردنيين الذين يعانون من هذه الأمراض ارتفعت من «20%
قبل كورونا إلى أكثر من 60 %بتأثير من الجائحة».
ويعدد مزهر الفئات الأكثر عرضة للإصابة بالأمراض النفسية، وفي مقدّمهم «الأطفال..
لافتقادهم عدة أمور من خلال عدم التواصل والتفاعل في المجتمع وبخاصة المجتمع
المدرسي بعد أن فقدوا التعلم الوجاهي والاختلاط مع أقرانهم».
وخصص كذلك فئتين من هؤلاء؛ وهم الذين يعانون من صعوبات التعلم يحتاجون
إلى دعم وتوجيه وإرشاد من مختصين، والفئة الأخرى هي: «الأطفال الذين يتعرضون
للعنف الأسري».
ووفق مزهر فإن: «الفئة الثانية الأكثر عرضة لهذه الأمراض هم «كبار السن»، وبخاصة
أولئك الذين «يعانون من العزلة والوحدة والفقد، وبسبب معرفتهم أن أكثر الوفيات
لكبار السن».
ويشير مزهر إلى أن الأشخاص «الذين يعانون أصلا من مشاكل نفسية وعلى رأسهم
مرضى القلق والوسواس القهريأتون في المرتبة الثالثة و «يمكن أن يتعرضوا
لانتكاسات بسبب الضغوط والمخاوف التي تنتاب الجميع من تداعيات الجائحة، خصوصا
وأن بعضهم لا يتمكنون من الحصول على العلاج».
و لا يستثني مزهر الطواقم الطبية المنخرطة بمكافحة الوباء (الصفوف الأمامية)
بسبب ضغط العمل والخوف من الإصابة العدوى. و يرى أن هؤلاء «يمكن أن يتأثروا
نفسيا آنيا.. وقد لا يظهر تأثر بعضهم بشكل ملحوظ إلا لاحقا أو بعد انتهاء الجائحة،
ورجح أن يعانوا من «متلازمة ما بعد الصدمة».
وينبه مزهر من خطورة الضغوطات التي تتعرض لها المرأة العاملة، التي تتنوع بين
التوفيق بين متطلبات المنزل والعمل ومتابعة التعلم عن بعد لأبنائها وسعيها إلى
إرضاء الجميع والأوضاع الاقتصادية المتردية».
التحذير من آثار العزلة
وتقول أستاذة علم النفس الإكلينيكي في كلية الآداب والعلوم في جامعة عمّان
الأهلية الدكتورة فداء أبو الخير إن التأثيرات النفسية لتداعيات جائحة كورونا تمتد
لتصل «الفرد والأسرة والمجتمع».
ومع أنها تقرّ بأن الإنسان مجبول على التكيف مع كل جديد، إلا أنه إذا شعر بأن الوضع
الجديد مُهدِّدٌ وغير محدد الملامح ولا تعرف نهايته «سيرزح الفرد تحت ضغوط نفسية؛
منها القلق على المستقبل وعلى وضعه الإقتصادي وكيف سيعيل نفسه وأسرته
خصوصا أن معظمهم مهددون بخصم رواتبهم أوتسريحهم من العمل مما يعزز
الخوف من المستقبل.
وتجد أبو الخير أن الجائحة عززت عند الأفراد حالة «العزلة» وتحذر من أن الحظر المتوقع
سيعزز من المشاعر السلبية والوحدة والعزلة وخاصة أن لدى بعض الأفراد بوادر القلق
الاجتماعي مما سيفاقم المشكلة.
وتعتقد أن أي حظر جديد ستكون آثاره مضاعفة قياسا بالحظر السابق، ذلك أن تجربة
الحظر السابق تقبلها الناس على أمل أن تنتهي المشكلة ويعودوا لحياتهم
الطبيعية.
لكنهم صدموا بأن الحظر لم يأت بنتيجة فعالة، وأن أعداد الإصابات تضاعفت بشكل
كبير رغم ما عانوه خلال الحظر. وبذلك هم يشككون بجدوى أي حظر محتمل
ويعتقدون أنه سيترك نتائج اقتصادية سلبية تضاعف ما عانوه سابقا واستنزفهم.
وتؤشر أبو الخير إلى أن نمط البناء السكني من اسكانات وشقق صغيرة «يحد من
قدرة الأفراد على تفريع الانفعالات وممارسة أنشطة معينة للكبار والصغار مما يزيد من
حدة العصبية والغضب وهو ما سيؤثر سلبا على العلاقات الأسرية». أما «الأسرة»، التي
باتت تشعر بتهديد لأمانها الإقتصادي المرتبط بحاجات الإنسان الأساسية من مسكن
ومأكل ومشرب فالعديد من أرباب الأسر يعملون بالمياومة وآخرون يخضعون لتخفيض
رواتبهم وأجورهم أو يسرحون من أعمالهم.
ويلفت إلى أن هذا يخلق مشاكل تتجلى في عدم القدرة على تسديد الالتزامات من
إيجارات وفواتير وأقساط، فيولّد بالتالي مشاكل ونزاعات تجعلهم يخضعون
لضغوطات عصبية وتصبح نظرتهم للمستقبل سلبية وتخلو من التفاؤل.
وتنبه أبو الخير إلى معاناة الأطفال الذين حرموا من عيش حياة طبيعية جراء
افتقادهم أماكن اللعب والتعلم وتبادل الخبرات مع أقرانهم حيث يفرغون طاقاتهم.
وفي المقابل لوحظ انتشار الأطفال في الشوارع، وهو ما يؤشر إلى أن العملية التعلمية
لم تؤتِ أُكلها.
وتحذر من إدمانهم على شاشات التلفاز والحاسوب والمواقع والألعاب الالكترونية
والأفلام الضارة التي اكتسبوا منها سلوكيات سلبية. ولاحظت أبو الخير ارتفاع حالات
العنف داخل الأسر وتزايد قضايا الانفصال والطلاق بسبب التوتر.
وتقف أبو الخير عند بروز سلوكيات سلبية على صعيد المجتمع، وتزايد أخرى بصورة
لافتة مثل التنمر المجتمعي وحالات الاستغلال والسرقة والبلطجة والابتزاز والاحتيال
الإلكتروني، وهذا يفضي، بتقديرها، إلى زيادة حالات العنف المجتمعي ويولد احتقانا
وغضبا مجتمعيا ضد أي أمر يحد من الحريات.
وتقول إنه يزيد من حدة هذه الاحتقانات «ما يشعر به الجميع من الضيق وخوف على
كبار السن أيضا وخوف من مواجهة المجتمع الخارجي وخوف من المستقبل المجهول
ومع ازدياد حالات الوفيات وازدياد حالات توهم المرض وبخاصة مع وجود أناس غير
مبالين».
مقترحات
وينصح مزهر بإدامة التواصل مع الأهل والأصدقاء بشكل مباشر أو عن طريق الاتصال
بوسائل التواصل الاجتماعي, والتقليل من متابعة الأخبار السلبية التي تتعلق بجائحة
كورونا مثل أعداد الإصابات والوفيات والتركيز على الأخبار الايجابية كعدد الذين تماثلوا
للشفاء، والجوانب الإيجابية لتداعيات الجائحة.
ويدعو إلى «ممارسة الهوايات المختلفة والأنشطة البدنية، لأهميتها لأنها تعمل على
تخفيف الضغط النفسي وترفع من مستوى هرمون الكورتيزون ومن مستوى هرمون
السعادة”, كما ينصح بالتعرض لأشعة الشمس. ويحض مزهر على المحافظة على
الهدوء النفسي بأنشطة مساعدة كالصلاة والتفكر والتأمل، وهذا «يخفف من القلق
على صحتنا والتفكير بالمستقبل» وينصح كذلك بالتفاؤل.
ويستذكر مزهر أحد أهم المؤثرات الكبيرة على الصحة النفسية التي لم ينتبه أحد
إلى فقدها، وهي «الانفعال الجماعي» الذي «كنا نستشعره بالاحتفالات والأعياد
والمناسبات القومية والرياضة، التي كان تتفرز تفاعلا جماعيا يخلص من التوتر ويخفض
القلق.. وهو ما افتقدناه خلال الجائحة».
وترى أبو الخير أن الحلول كثيرة، للخروج من مشاكل كورونا وتعقيداتها دون
انتكاسات «كالتعامل مع تداعيات الجائحة بوعي وإدراك التعايش المطلوب واكتساب
عادات اجتماعية وشخصية جديدة تتكيف مع الوضع القائم».
وتدعو إلى تغليظ العقوبات على منتهكي تعليمات الوقاية والسلامة وتطبيقها
بشكل فوري تطبيقها وبحزم إضافة الى زيادة التوعية بأهمية الأخذ بأسباب الوقاية
الشخصية والأسرية والمجتمعية.
وتطالب برفع الطاقة الاستيعابية للمستشفيات والمراكز الصحية وتقديم بعض
الخدمات النفسية للناس بطريقة مباشرة أو غير مباشرة من خلال الإعلام أو إلكترونيا
أو حتى الزيارات المباشرة للمرضى أو الأهالي (…)، فهذه الإجراءات توصل إلى الثبات
والاستقرار والسكينة وتخفف من الاحتقان الموجود فرديا وأسريا ومجتمعيا.الرأي