نحاس الأردن.. كنز الملك سليمان يحظر علينا الاستفادة منه
” للنحاس في محمية ضانا. لكن ما يستدعي التوقف عنده، ان هؤلاء في أرضنا يرونه كنز سليمان الاثري الذي يجب الحفاظ عليه، وفي فلسطين المحتلة، عصروا النحاس هناك حتى كاد أن ينفد.
قبل فترة، عثر علماء آثار ترأسهم يهودي يدعى توماس ليفي على بقايا مناجم نحاس تعود إلى فترة حكم النبي سليمان، في منطقة صحراوية في الأردن، تعرف باسم “خربة النحاس” الواقعة في جنوبي المملكة.
وتقع منطقة خربة النحاس في الجزء الشمالي من منطقة فينان، جنوب الأردن، التي تقع في جنوب البحر الميت.
وحسب المعطيات، فقد عثر فريق البحث على آثار تشير إلى عمليات إنتاج النحاس هناك خلال فترة حكم سليمان.
ووفق رئيس الفريق الأستاذ بجامعة “كاليفورنيا سان دييغو”، توماس ليفي في تصريح صحافي، فإن إنتاج النحاس في خربة النحاس يعود إلى القرن العاشر (قبل الميلاد)، وهو ما يتوافق مع ما ورد في الإنجيل عن حكم سليمان.
وقال ليفي إنه “لا يمكننا تصديق كل ما يرد في الكتب القديمة، لكن هذه النتائج تجمع ما بين المعلومات الأثرية والعلمية والدينية.”
وأضاف ليفي: “نحن الآن على يقين من تواجد مجتمعات حيوية في الفترة ما بين القرن العاشر والتاسع قبل الميلاد.”
منذ نشر رايدر هاغارد لكتاب بعنوان “مناجم الملك سليمان” في العام 1885م، تحولت “مغامرات البحث عن المناجم المليئة بالذهب والعاج والألماس الى أسطورة طافت الآفاق، عبر سلسلة من الوسائل أبرزها عالم السينما.
وورد في الإنجيل أن سليمان هو من شيّد المعبد اليهودي المعروف باسم “هيكل سليمان” في القدس، كما يصوره على أنه رجل ذو حكمة كبيرة وسلطة وثراء.
كل ذلك معلومات قديمة لخبر قديم. لكن ما لا يقال في طي كل هذه المعلومات أن ليفي هذا عمل مستشارا في الجمعية الملكية لحماية الطبيعة، وفق تأكيد الخبير الجيولوجي الاردني خالد الشوابكة.
وكان لخبير الآثار اليهودي دور مهم في إعلان مواقع النحاس في ضانا من بين مواقع التراث العالمي لليونسكو، لحمايته من التعدين المحتملة في المستقبل والحفاظ على “المناظر الطبيعية الصحراوية الخلابة والنادرة”.
وحصلت “السبيل” على عدد من الوثائق الخاصة بالاتفاقيات الموقعة بين البنك الدولي والمحمية وجمعية حماية الطبيعة. وكلها تضع المحمية ضمن التراث العالمي لليونسكو، يدفع لها منحا لتطويرها.
ووفق الشوابكة، فإن ما يظهر هو ان البنك الذي دفع باتجاه جعل ضانا محمية طبيعية، متسائلا عن الدور الذي لعبه عالم الآثار ليفي في الدفع بهذا الاتجاه.
ويعتبر النحاس أحد أهم السلع عالميا، خاصة وانه يستخدم في صناعة الأسلحة، وذخيرتها. واعتمدت وثيقة أمريكية رسمية النحاس بصفته سلعة إستراتيجية للأمن القومي الأمريكي.
ليس الأردن وحده
وليس الأردن وحده من تريد إسرائيل حصتها من ثرواته، وإن اختلفت أسلوب السرقة. فإصرار الكيان المحتل على الاحتفاظ بشريط بري بين مصر وإيلات وبحجة الحفاظ على أمنها، كان قناعا تخفي وراءه مصالح الاحتكارات العالمية لصناعة وإنتاج النحاس في العالم. بينما اعتمد الاحتلال في لبنان على عمليات تهريب النحاس، وهو ذات الأسلوب المتبع في الجزائر، فعصابات “البوكيمون” و122 يهرّبون النحاس الجزائري.
وفي العام الماضي تكتب صحيفة الثورة نيوز التونسية إن عصابات تهريب النحاس الى اسرائيل تكبد مئات المليارات خسائر لشركات الكهرباء والاتصالات بتونس والجزائر وليبيا.
“تمنا” الفلسطينية وتجفيفها إسرائيليا من النحاس
عندما يكون الأمر لمصلحة اسرائيل، تتراجع أهمية الروايات التوراتية لصالح صناعة الكيان. في عام 1952 اكتشف في منطقة تمنا في فلسطين النحاس، وأجرى الإسرائيليون فيها دراسات الجدوى الاقتصادية عام 1956 بوساطة الإسرائيليين، ودخل مرحلة الإنتاج عام 1962، وفي عام 1986 تم الانتهاء من استغلال الخام وبشكل شبه نهائي.
وفي عام 1990 ونتيجة ارتفاع أسعار الخام عالميا عادت الشركة الإسرائيلية واستغلت ما تبقى من الخام واستغلته أيضاً من بعض المناطق الأخرى لصناعاتها العسكرية في منطقة الجليل.
المراسلات الرسمية بين القبول والرفض
تم إنشاء محمية ضانا في 1989 وفي عام 1996 أوقفت أعمال البحث والتنقيب عن النحاس في منطقة وادي عربة حيث بادرت السلطة في حينه بمخاطبة رئاسة الوزراء للسماح لها بالتنقيب عن النحاس في المنطقة، وقد وافقت الحكومة بكتابها رقم 58/1/1/30362 بتاريخ 1997/11/18 إلا أن الجمعية رفضت الموافقة على هذا الكتاب مما اضطر السلطة لرفع الأمر إلى مجلس الوزراء مرة أخرى، حيث تم التأكيد على أن تقوم السلطة بالأعمال التنقيبية المطلوبة بكتاب رقم 31/16/2/5322 بتاريخ 1999/6/15 إلا أن الجمعية رفضت الأمر وفي خطوة تحدٍ للحكومة قامت بتوسعة مساحة المحمية من 170 كم مربع إلى 310 كم مربع، حيث أصبحت كافة خامات النحاس ضمن حدود المحمية ومنها المنطقة الجارية التي تحوي 25 مليون طن من خامات النحاس تقدر قيمتها بحوالي 5 مليارات دولار، وعندما طالبت السلطة من الحكومة استثناء هذه المنطقة من المحمية وفتحها إلى الاستثمار عاد مجلس الوزراء بتاريخ 2003/4/8 وقرر عدم الموافقة على التنقيب في المنطقة من الشركات المحلية والأجنبية.
في عام 2005 طلبت نقابة الجيولوجيين بفتح باب الاستثمار في المنطقة إلا أن مجلس الوزراء قرر بكتابه رقم 58/11/5/12665 بتاريخ 7/9/ 2005 عدم السماح بالاستثمار في خامات النحاس.
قطاع التعدين
يعد قطاع التعدين من القطاعات الحيوية التي تؤدي دورا فعالا في دفع عجلة النمو والتطور في الاقتصاد الوطني، ورغم تذبذب نسب مساهمته خلال فترات زمنية مختلفة، إلا أن دوره ما يزال يشكل وزنا ملموسا ولا يمكن تجاهله.
ويبلغ احتياطي النحاس في وادي عربة نحو 905 آلاف طن تقدر قيمتها بحوالي 10 مليارات دولار، ووفق تقديرات الشوابكة فإن من المتوقع ان تشغل الصناعات المباشرة باستخراجه نحو 800 فني بشكل مباشر، إضافة الى المئات من الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي سترتبط بهذه الصناعة بصورة مباشرة، وما يلحقها من صناعات رديفة.
وقال الشوابكة إن من شأن الصناعات التي تقوم على استخراج وصناعة النحاس أن تكون من أهم الروافد للاقتصاد الوطني.
وأكد الشوابكة أن استخراج النحاس سيساهم بشكل فعال في تشغيل الأيدي العاملة المحلية وتوفير الرواتب والأجور لها، وتعمل على تغطية حاجة السوق المحلية من الخامات الأولية ومن المنتجات الوسيطة والنهائية المتعلقة في القطاع، كذلك تساهم في توفير العملات الصعبة عن طريق التصدير، إضافة إلى رفد خزينة الدولة بما يتحصل من الضرائب و”الأتاوات” ورسوم التعدين.
وأشار الى ان الأرض وما تحويه من موارد وثروات طبيعية هي الركيزة الأهم في مقومات أي دولة ويقاس نماء وتطور وتقدم أي بلد بقدر ما يستغل من ثرواته الطبيعية الاستغلال الأمثل.
ولعب قطاع التعدين دورا أساسيا في الناتج المحلي الإجمالي كالفوسفات والبوتاسيوم والأملاح المعدنية والصخور الصناعية، وأحجار البناء ومواد البناء الأساسية والإنشاءات وغيرها.
علما بأن مساهمة إيرادات القطاع التعديني بلغت في الناتج القومي الإجمالي حوالي 8.5% وشكل حوالي 26.8% من الصادرات الأردنية وذلك لعام 2009.
وللثروات المعدنية دور مهم في المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي، وإمداد الصناعات المحلية بما تحتاجه من مواد أولية، وتوفير العملات الصعبة عن طريق الصادرات أو عن طريق التقليل من الاستيراد، ورفد خزينة الدولة بما تستحق من ضرائب وإتاوات، وتطوير البنية الأساسية في المناطق التي تتواجد فيها هذه الخامات، واستخدام الأيدي العاملة.
النحاس في الاردن
كان أول اكتشاف للنحاس في الأردن في بداية الخمسينيات في منطقة ضانا/ وادي عربة. لكن ليست هذه الفترة بداية التأريخ لاستخراج النحاس. فأعمال تعدينية واستخراجية للنحاس كانت منذ القدم التي استدل عليها من خلال وجود الخبث والمناجم القديمة في منطقة خربة النحاس– وادي جارية وبعض المواقع الأخرى.
وتوجد تمعدنات النحاس على طول الجهة الشرقية لمنطقة وادي عربة بدءاً من الجهة الجنوبية للبحر الميت حتى منطقة أبو خشيبة وبطول حوالي 70 كم وعرض 15 كم.
وتتميز مناطق التمعدنات بصعوبتها الطبوغرافية والجبلية التي تصل ارتفاعاتها إلى 1000م عن سطح البحر.
أماكن تواجد النحاس في المملكة
يوجد النحاس في عدة مناطق اهمها منطقة وادي أبو خشيبة: وتبلغ مساحة المنطقة الحاوية على خام النحاس (24 كم2) وهي تقع على بعد (90 كم) شمال العقبة و(35 كم) جنوب خربة النحاس وتقع خارج محمية ضانا، اضافة الى منطقة فينان (وادي خالد، وادي ضانا ووادي راتيا).
وتقع هذه المنطقة على بعد (35 كم) شمال وادي خشيبة التي تقدر مساحتها بحوالي (30 كم2) متضمنة منطقة ضبعة التي يتكشف بها المنغنيز بنسبة (35%) والنحاس بنسبة (1.5%) التي تقدر مساحتها بحوالي (4 كم2) وهي تقع في أقصى الشمال الشرقي لمنطقة فينان وتقع ضمن محمية ضانا البالغ مساحتها (310) كم2.
كما يوجد النحاس في منطقة خربة النحاس- وادي الجارية: تقع هذه المنطقة في وسط وادي عربة وتحديداً شمال غرب منطقة فينان التي تقدر مساحتها الإجمالية بحوالي (60 كم2) وتقع ضمن محمية ضانا، وتعتبر من أهم مواقع تمعدنات النحاس في وادي عربة وتقع في الجزء الشمالي الغربي من محمية ضانا.
وفي وادي ملقا بأم العمد، وتقع هذه المنطقة على بعد (2كم) جنوب فينان وتقع خارج محمية ضانا وتقدر مساحتها بحوالي (20 كم2) حيث قامت سلطة المصادر الطبيعية بدراسة هذه المنطقة من خلال حفر بئرين بعمق كلي 150 متراً، حيث تم جمع العينات وتحليلها.
الدراسات السابقة الخاص بالنحاس
من أهم الدراسات التي تم عملها بوساطة الشركات والمنظمات الدولية والمحلية لتحديد احتياطي الخام وأبعاده في وادي عربة: البعثة الجيولوجية الألمانية: قامت من خلال شركة أتو جولد (Otto Gold) بعمل دراسة تقنية شاملة لتمعدن النحاس وخارطة جيولوجية لمنطقة أبو خشيبة خلال الفترة ما بين 1961– 1964.
ومن الجهات التي درست النحاس في الأردن سلطة المصادر الطبيعية فقد بدأت السلطة برنامجها التنقيبي عن النحاس والمنغنيز عام 1966م، وفي عام 1972 ركزت في برنامجها على منطقة فينان.
وخلال الفترة ما بين 1972- 1973 تم حفر 40 بئرا تنقيبيا، و16 نفقا و35 خندقا تنقيبيا.
وأثبتت الأعمال التنقيبية أن الاحتياطي المتوقع لخام النحاس في منطقة فينان حوالي 50 مليون طن متري ونسبة النحاس فيه تصل إلى 1,63%.
وكان مكتب البحوث الجيولوجية والتعدين الفرنسي أجرى دراسة ما بين العامين 1974– 1975 وقام بعمل دراسات تنقيبية مكثفة إضافة إلى دراسات سلطة المصادر الطبيعية.
ومن بين الجهات كذلك شركة سِلترست البريطانية التي قامت بدراسة الخام من الناحية التكنولوجية والاقتصادية. وفيها أظهرت أن أفضل طريقة لمعالجة الخام هي (leaching) أي الغسل أو الترشيح بوساطة المذيبات الكيميائية.
أما مجموعة هانبو الكورية الجنوبية، فقامت بتقييم الدراسات السابقة، ووجدت أن مشروع استغلال النحاس في الأردن مشروع واعد ومربح واقترحت مشروعا تنقيبيا متكاملا يليه توقيع اتفاقية مع سلطة المصادر الطبيعية لإنتاج النحاس.
كما ابدت فيلبس دودج الجنوب افريقية عام 1999 اهتماماً بتوقيع مذكرة تفاهم مع سلطة المصادر الطبيعية ووضعت ميزانية وبرنامجاً تنقيباً متكاملاً، لكن بشرط اقتطاع منطقة خربة النحاس من محمية ضانا الطبيعية.
أعمال التنقيب في وادي عربة
من المناطق التي خضعت لأعمال التنقيب منطقة وادي أبو خشيبة، وفيها اجرت شركة أتو جولد دراسة تنقيبية شاملة لتمعدن النحاس وعمل خارطة جيولوجية بمقياس 1:10000 للمنطقة خلال الفترة ما بين 1961– 1964 وتمثلت الدراسات في حفر 94 بئرا تنقيبيا بمجموع أمتار وصل إلى 4979 مترا.
ومن أعمالها حفر 436 خندقا تنقيبيا بمجموع أمتار وصل إلى 511 مترا، وحفر 304 أخاديد تنقيبية بمجموع أمتار وصل إلى 2528 مترا، وحفر 5 جروف تنقيبية أفقية بمجموع أمتار وصل إلى 150 مترا.
ومن أعمال التنقيب في وادي عربة، “منطقة فينان (وادي خالد، وادي ضانا ووادي راتيا، حيث خضعت المنطقة لبرنامج تنقيبي وتمثل بإنتاج 6 خرائط جيولوجية بمقياس 2500:1 ثم تم جمعها بخارطة واحدة سميت خارطة فينان وهي موجودة لدى سلطة المصادر الطبيعية.
أما سلطة المصادر الطبيعية فقامت بعمل برنامج تنقيبي خلال الفترة ما بين عامي 1971– 1973 وتمثل البرنامج التنقيبي، في حفر 142 بئرا تنقيبيا وتراوحت الأعماق ما بين 40 إلى 242 مترا، وحفر 42 خندقا تنقيبيا، وحفر 42 جرفا أفقيا تنقييبيا.
أما في وادي جارية بمنطقة خربة النحاس، فقد قامت إحدى الشركات الفرنسية خلال عامي 1974-1975 بإنتاج خارطة جيولوجية بمقياس 1:10000 وخلال الفترة من 1979-1980 قامت سلطة المصادر الطبيعية بحفر آبار، خنادق وأنفاق تنقيبية لكن لم يتم تخزين تلك الأعمال ولا نتائجها.
وخضع وادي جارية في منطقة خربة النحاس، ما بين عامي 1992 إلى 1993 لعمليات استطلاع ودراسة من خلال تحليل 136 عينة لتحديد نسبة النحاس (صنوبر 1996)، وكذلك منطقة أم العمد- وادي ملقا، بعد ان قامت إحدى الشركات الفرنسية بإنتاج خارطة جيولوجية بمقياس 10000:1 لمنطقة أم العمد وأخرى لمنطقة ضباح سلوان، وكِلا الخريطتين لدى سلطة المصادر الطبيعية.
أما سلطة المصادر الطبيعية فقد قام أبو صنوبر 1991 بدراسة المنطقة، لكن ما لبثت الدراسة أن أوقفت.
السبيل