، القدس العربي ، : قصة إجهاض خطة إسقاط النسور
لاذع ضده وتلويحات بحجب الثقة.
“بعد مهرجان خطابي غير مسبوق تخللته الكثير من الإستعراضات والرسائل يفترض أن يحصل رئيس الوزراء الأردني الدكتور عبدلله النسور مساء الثلاثاء على ثقة البرلمان بصعوبة بالغة ليعبر طرفي الكماشة بأول حكومة تشكل بآلية برلمانية والأهم بدون مساعدة.
مالم تحصل مفاجآت في اللحظة الأخيرة أشارت حسابات مكتب النسور إلى أن عدد الحاجبين للثقة يتراوح ما بين 68- 70 نائبا في أسوأ الأحوال, الأمر الذي يعني الحصول على ثقة على الحافة قوامها يدور ما بين 77- 80 صوتا قد تزيد أو تنقص بصوتين وهو رقم يكفي لتجاوز الإمتحان الأصعب الذي تواصل لأكثر من أسبوع.
هذا الإفلات من حاجز الثقة نظم بعناية وذكاء في كواليس البرلمان وبعد إنشغال جميع الأردنيين ومؤسساتهم بالتفاصيل.
وحتى ينجز النسور الأمر إنشغل بالكواليس لإنضاج ثلاث صفقات مركزية مع قوى فاعلة في المجلس النيابي وخطف تأييدها المشروط في اللحظة الأخيرة تاركا خصومه الشرسيين في التيار المحافظ من طبقة رجال الدولة القدماء في مواجهة الإخفاق في خطتهم التي أعلنها النائب محمود الخرابشه أمام الصحفيين عندما قال: سنسقط هذه الحكومة في قعر الوادي.
تكتيك النسور من البداية تمركز على التمسك بطوق النجاة الذي ألقى به ناصحا ممثل واحدة من أصغر المحافظات في المملكة وهي مادبا الدكتور مصطفى الحمارنه الذي طرح علنا في خطابه صفقة شراكة مع كتلة التجمع الديمقراطي التي يمثلها.
بعد ملاحظة الحمارنة بقي النسورعلى إتصال مع مجموعة التجمع وإجتمع بهم وتفعلت إتصالاته وراء الكواليس برموزهم فنتج عن هذه الإتصالات إتفاق على أن يبادر الرجل لإجراء تعديل وزاري سريع بمجرد عودة الملك من واشنطن ويضم فيه أعضاء البرلمان طالبا إمهاله فقط حتى عودة الملك.
وافق النسور على برنامج (شراكة) مع كتلة التجمع الديمقراطي وقوامها 17 نائبا وحصل بالموجب على تأييد ثلثي عدد أعضاء هذه الكتلة بتأييد واسع من الدكتور الحمارنة فضمن على الأقل شر حجب الثقة من غالبية كتلة التجمع.
لاحقا إنتقل الرجل وهو يشتكي من ثلاثة أعضاء في البرلمان وجهوا له شتائم شخصية بدلا من المناكفة السياسية إلى هندسة إتفاق مماثل لكن أقل وضوحا مع كتلة وطن وهي الأضخم في البرلمان.
الهدف من التواصل خلف الكواليس مع مجموعة (وطن) كان مساعدة بعض أصدقاء الحكومة في الكتلة والتخفيف من حدة موقف رئيس الكتلة عاطف الطراونة الذي أبقى بدوره موقفه الشخصي معلقا حتى اللحظات الأخيرة.
طرحت الكتلة في إجتماع خاص ستة شروط على رئيس الوزراء مقابل (تعويم) التصويت بمعنى ترك حرية الحجب والمنح للأفراد وليس على مستوى جماعي.
الشروط الستة وفقا لوثيقة حصلت عليها القدس العربي كانت عمومية ومن النوع الذي يمكن الموافقة عليه حتى بدون الإلتزام به وأهمها خطة إطلاق حوار وطني وتحديد موعد لتعديل وزاري لتكريس نهج الحكومة البرلمانية ومساندة الحريات العامة ومكافحة الفساد وحماية الفقراء والطبقى الوسطى في حال رفع أسعار الكهرباء وتقديم قانون جديد للضريبة والتشاور مع الكتلة في السياسات العامة وإعادة النظر في سحب الأرقام الوطنية.
موافقة النسور على هذه الشروط دفعة واحدة وبدون نقاش إنتهى بتعويم كتلة وطن لقرارها, الأمر الذي سمح لبعض الأعضاء بتبديل مواقفهم في ضوء رد الحكومة.
وفي السياق إنشغل النسور بهندسة الأمر مع كتلة ثالثة مهمة هي كتلة حزب الوسط الإسلامي التي كانت أصلا مؤيدة للرئيس لكنها محرجة من قصة رفع الأسعار.
حصل إجتماع خاص مع الكتلة وطالبت الكتلة بعدم رفع الأسعار وحماية الفقراء وإنشغل أعضائها (بعضهم متدينون وخطباء مساجد) بوضع شروط سهلة جدا يمكن لأي رئيس الموافقة عليها بدون تردد وتتعلق بآلية ترخيص (الخمارات) في البلاد وإبعادها عن المساجد والأحياء السكنية وهي مسائل وافق عليها رئيس الحكومة برفقة وزير الاوقاف محمد القضاة الذي حضر إتفاقية الجنتلمان مع كتلة الوسط الإسلامي.
عبر الصفقة الثلاثية ضمن النسور حتى الساعة الأخيرة تصويت 50 نائبا على الأقل صالحه وبقيت الحاجة ملحة لنحو ثلاثين صوتا..فمن أين يمكن الحصول على هذه الأصوات الثلاثين الضرورية جدا؟.
..هنا حصريا كان لابد من اللعب سياسيا على المساحة التي تجلس فيها ثلاث فئات من أعضاء البرلمان هم نشطاء تمثيل المكون الفلسطيني والمستقلين الكبار في المجلس وعلى رأسهم نائب رئيس المجلس البارز خليل عطية.
أما الفئة الثالثة فكانت الأعضاء المترددون في حجب ومنح الثقة والذين يمكن تغيير مزاجهم عبر لفت نظرهم لطبيعة وخلفية ومبررات الحملة الشرسة التي تشن ضد النسور خصوصا من رجال الدولة ورموز الحرس القديم من طراز عبد الهادي المجالي وعبد الكريم الدغمي وحتى محمود خرابشه ويحي السعود وغيرهم.
في الواقع الهجمات ذات الطابع الشخصي على النسور خدمته بمعنى أنها جلبت له بعض الأصوات التي كانت في نطاق الحجب.
بنفس المقدار خدمت إتهامات التجنيس والتوطين التي ألقاها ثلاثة أعضاء في البرلمان بينهم محمد قطاطشه ورجا حداد حكومة النسور وعكست إتجاه تصويت الكثيرين ليس فقط لإنها تنطوي على مبالغة وإفتراءات.
ولكن أيضا والأهم لإن الكثير من النواب الوطنيين المؤمنين بالوحدة الوطنية من أبناء العشائر قرروا التباين في موقفهم عبر الوقوف في الإتجاه المعاكس للأصوات الثلاثة المشار إليها التي إتهمت الحكومة بأنها وزارة تجنيس.
في الأثناء كانت ماكينة الرجل الثاني في الحكومة الدكتور أمين محمود تتحرك بثقل وبصمة في سياق خدمة جلب المزيد من الأصوات لصالح الحكومة عبر سلسلة من اللقاءات والإتصالات الجانبية التي قام بها الأخير وإنتهت بتغيير الكثير من المواقف لصالح الحكومة ورئيسها.
وفي هذا المضمار خوطب حصريا أعضاء البرلمان الممثلون للمكون الفلسطيني وأطلقت إلتزامات حكومية بالتعامل الجدي مع القضايا التي يهتمون فيها وعلى رأسها قضية (سحب الجنسيات) التي وعد النسور بإعادتها إلى السكة القانونية ليس أكثر وقد كان ذلك هو المطلوب.
ويمكن القول أن عضوا برلمانيا من الوزن الثقيل هو خليل عطية جلس مع رئيس الوزراء في لقاء خاص لمدة ساعة إنتهى بالخبر الإيجابي الذي حمله عطيه للجميع والقاضي بوجود إستعداد حكومي (لحل ثالث) بخصوص القضية الأكثر إثارة للجدل وهي قضية رفع أسعار الكهرباء.
الحل الثالث كان عبارة عن (بدائل) ملتفة إقترحها عطية بإسم البرلمان فإنتهى الأمر بتزايد إحتمالات عبور وزارة النسور الإشكالية لواحدة من أصعب معارك الحصول على الثقة البرلمانية”