هل ينجح الأردن بإيفاء التزاماته المائية خلال السنوات الست المقبلة ولحين تنفيذ “التحلية”؟
وكالة الناس ــ وسط تحديات تراجع حصص المياه المخصصة للأغراض المنزلية في الأردن، ثاني أفقر دولة مائيا في العالم، تتعاظم تهديدات مواجهة العطش الحقيقي في ظل عدم الاستعجال لتنفيذ حلول مائية استراتيجية، وتلبي حاجة الأردن اليومية من المياه والمقدرة بـ 3 مليون متر مكعب، وفق مصادر رسمية.
ورغم إعلان وزارة المياه والري أمس عن إنهاء كافة الوثائق الفنية المتعلقة بمشروع الناقل الوطني لتحلية المياه في البحر الأحمر بالعقبة بطاقة إنتاجية تبلغ نحو 300 مليون متر مكعب ولكافة محافظات المملكة، إلا أن المشروع الاستراتيجي الذي طالما اعتبره الأردنيون حلما بعيدا عن الواقع، لن يرى النور قبل العام 2027.
وبالنظر لتفاقم عجز المياه سنويا، والذي يعود لعقود، ووسط توقعات بأن يصل عجز المياه إلى 45 مليون متر مكعب سنويا في قطاع الشرب وحده في العام المقبل 2022، بات الأمن المائي والمرتبط مباشرة بالأمن الغذائي على “المحكّ” وفي وضع لن تحمد عقباه.
الوضع الحرج الذي يتوجب مواجهته سريعا لدرء وقوع أزمات على مدار السنوات القليلة المقبلة ولحين بدء شرب الأردنيين من المياه المحلاة الناجمة عن مشروع تحلية “الأحمر”، بات حقيقيا وناجما عن مؤشرات دراسات علمية دولية، بأن تنخفض حصة الفرد إلى 60 مترا مكعبا سنويا ولكافة الاستخدامات (الشرب، المنزلي، الزراعة، الصناعة، السياحة) بحلول العام 2040، مقابل حصة الفرد الحالية والبالغة نحو 90 مترا مكعبا وللاستخدامات ذاتها.
ونتيجة لذلك، فإن استمرارية الحال المائي الراهن، ومن حيث المصادر المائية المتوفرة ومعدلات الطلب الطبيعية المتوقعة، فإن تراجع حصص المياه المخصصة للاستخدام المنزلي والنظافة الشخصية، تؤدي لانتشار أمراض وأوبئة وأزمات صحية، ما يترتب عليه تكاليف رعاية صحية وأمنية واجتماعية ضخمة على الدولة والمجتمع نفسه.
أما واقع جهود الحكومات المتعاقبة لمواجهة العجز المائي والفجوة المتنامية بين المتوفر والمطلوب من حيث المصادر المائية، فإن الأردن بدأ بإنتاج مياه الديسي في العام 2013 بكلفة رأسمالية بلغت نحو مليار دينار، بطاقة إنتاجية تبلغ 100 مليون متر مكعب لتغطية مختلف أنواع الاستخدامات.
إلا أن موجة اللجوء السوري في العام 2011 قلّلت من الأثر الإيجابي الملموس لكميات الديسي.
ومن ضمن تلك الجهود، أنفق الأردن خلال عامي 2021 و2022 نحو 400 مليون دولارلتقليل الفاقد المائي في مختلف محافظات المملكة، ويتضمن تحديث الشبكات وتعزيزها، وضبط السرقات بكافة أشكالها، وردم الآبار المخالفة وعددها حاليا 587 بئرا، والإدارة المائية المتوازنة.
أما مايتعلق بإجراءات الحكومات إزاء الآبار الجوفية العميقة، باشرت وزارة المياه والري منذ أشهر بحفر آبار في المناطق البازلتية وفي حسبان والقطرانة والحسا والشيدية لاستخراج المياه الجوفية من الطبقات العميقة في مناطق مختلفة.
وقامت الوزارة أيضا بحفر 21 بئرا على أعماق عالية تتجاوز 1000 – 1200 متر، حيث بلغ الإنفاق على هذه الآبار 14 مليون دينار حتى الآن، فيما تحتاج لنفقات إضافية عالية لمعالجة هذه المياه الجوفية.
وأكدت مصادر رسمية، في تصريحات لـ “الغد”، استمرارية الأردن بحفر واستكشاف الآبار الجوفية العميق في مناطق مختلفة.
إلا أن المياه الجوفية المتوفرة أو التي ستتوفر من خلال هذه الآبار العميقة، “تعاني تحديات تتعلق بارتفاع حرارتها أو ملوحتها، ووجود نسب إشعاع فيها، وبالتالي تتطلب “معالجة مكلفة لتصل إلى مستويات المواصفة الفنية الأردنية للمياه”، وفق المصادر.
وأشارت المصادر إلى أن هذه الآبار الجوفية العميقة “لا توفر بديلا استراتيجيا ومستداما يمكن الاعتماد عليه، من حيث الكم والنوع والاستمرارية، وذلك لأسباب تتعلق بقلة الكميات، وضعف النوعية (نسب الملوحة، وحرارة، وإشعاع عالية)، والحاجة لكلف مالية مرتفعة جدا لمعالجتها”.
أما الحل المرتبط بالناقل الوطني، المشروع المائي الاستراتيجي، والذي يعد أولوية أولى للأمن المائي الأردني، وهو أكبر مشروع مائي في تاريخ المملكة ومن أهم المشاريع الاستثمارية الوطنية وأكبر مشروع أدرجته الحكومة ضمن برنامج أولويات عملها الاقتصادية، سيوفر 300 – 350 مليون متر مكعب من المياه المحلاة من البحر الأحمر سنويا، تغطي احتياجات المملكة لمياه الشرب حتى العام 2040، وستكون أكبر كمية مياه يحصل عليها الأردن من مصدر واحد.
وبحسب المصادر الرسمية، فإن توفير مياه عبر التحلية سيمكن الأردن من تخفيف الضغط على المصادر الجوفية بما يسمح لها بأن تتجدد وتتحسن نوعية مياهها والعودة لاستخدامها لاحقا.
وذلك إلى جانب مساهمة الكميات المتوفرة من تحلية المياه عبر الناقل الوطني، الذي تقدر قيمته الرأسمالية بـ 2،5 مليار دولار: جزء منها منح ودعم حكومي، وجزء قروض ميسرة يُتفاوَض عليها، من تمكين الأردن فقط من المحافظة على حصة الفرد الحالية من المياه مستقبلا وحتى 2040.
وتعد تقديرات القيمة الرأسمالية للمشروع تأشيرية وليست نهائية، وقد تتغير مستقبلا.
إلا أن المعطيات الرسمية أظهرت أن هذه الكميات لا تكفي لزيادة المصادر المخصصة للزراعة والصناعة والسياحة وهي قطاعات محركة للتشغيل والنمو.
وبالتالي، فإن الأردن بحاجة إلى مصادر مائية إضافية لمواكبة احتياجاته المتنامية وللتمكن من إحداث نمو في قطاعات اقتصادية حيوية: زراعة، صناعة، سياحة.
ويشار إلى أنه تم تأهيل 5 ائتلافات، سيتم تسليمها وثائق العطاء قبل نهاية العام 2021، حيث ستمنح مدة ستة أشهر لتقديم عروضها المالية والفنية، وسط توقعات بالتوقيع مع الائتلاف الأفضل قبل نهاية العام 2022 وبدء الإنتاج في العام 2027.
ويحصل الأردن على نحو 35 مليون متر مكعب سنويا من بحيرة طبرية، بالإضافة إلى ما يتراوح بين 0 – 20 مليونا سنويا من بحيرة طبرية وحسب التخزين والهطولات المطرية، وذلك إلى جانب حصة الأردن من المياه من الجانب السوري (من نهر اليرموك) والبالغة حوالي 90 مليون متر مكعب سنويا.
وبحسب الأرقام الرسمية، فإن حوالي 400 ألف دونم في الأغوار، تأخذ 40% فقط من كمياتها المائية المستحقة، وهي غير كافية لغسل التربة، وتؤثر على إنتاجيتها.
وحذرت المصادر ذاتها من مخاطر الاستمراربهذه الحالة، وانعكاسها على تهديد هذه الأراضي بأن تفقد إنتاجيتها الزراعية خلال 15- 20 عاما.
