ما الذي تريده قطر..؟!
وكالة الناس –
شاعت التكهنّات على مدى السنوات القليلة الماضية حول ما الذي تريده قطر في الشرق الأوسط. سياستها الخارجية تحتوي على كتلة من التناقضات: دولة وهابية، علاقات جيدة مع إيران، استضافة قاعدة جوية أمريكية كبرى، دعم جماعة الإخوان المسلمين، دعم التغيير الثوري المسلح في ليبيا واليمن وسوريا، علاقات جيدة مع تركيا، علاقات سيئة مع مصر، وملكية صلبة لمقر شبكة الجزيرة الفضائية المتمردة. إذًا، ما الذي يجري تمامًا هنا؟
قد لا يكون أمر قطر غامضًا جدًّا إذا ما أخذنا بالاعتبار عددًا قليلّا من العوامل الرئيسة التي تساعد ربما في وضع كل هذه التناقضات في مكان واحد. قطر تتمتع بوضوح بشكل معتدل من الوهابية كدين للدولة، وذلك على خلاف مع الإصدار السعودي للوهابية. قطر تطمح لأن تكون “حديثة” بطريقة لا تفكر بها سوى القليل من الملكيات الأخرى في الخليج، باستثناء دبي. وهي تعتقد أيضًا كما يبدو أن الإسلام من نوع ما سيستمرّ بأن يكون المبدأ الأخلاقي/الأيديولوجي الذي يوجه الحكم في الشرق الأوسط لفترة طويلة قادمة.
ولهذا السبب، تفضل قطر بديلًا أكثر حداثةً من الإسلام، وهو جماعة الإخوان المسلمين، والتي هي جماعة غير عنيفة إلى حد كبير، باستثناء الخيار الفلسطيني، حماس، التي تشارك في الكفاح من أجل التحرر الوطني. الإخوان أيضًا يقبلون عمومًا بمبدأ العملية الديمقراطية، وهو ما لا يؤمن به الكثير من الإسلاميين الآخرين، وبالتالي فهم يعتبرون عموماً تجديفًا وخطرًا من قبل الرياض.
وترى قطر في الإخوان بأشكالهم المختلفة في جميع أنحاء العالم الإسلامي موجةً تقدمية نسبيًّا، وممثلة للمستقبل، أكثر بكثير من السعودية، دول الخليج الأخرى، أو غيرها من المؤسّسات الدينية، التي ترفض في الواقع العملية الديمقراطية ووجود حكومات شعبية. وبهذه الطريقة، أصبحت قطر على خلاف حادّ مع السياسات الرجعية في مصر ودول الخليج الأخرى، والتي تخشى من الآثار الثورية وراء سياسة الإخوان.
وتكشف الخريطة ربما أهم حقيقة عن قطر، وهي أنّها ملحق صغير بالجسم الهائل من شبه الجزيرة العربية الذي تهيمن عليه السعودية. الرياض تستطيع أن تصل إليها عسكريًّا في وقت قصير. وإذا أرادت قطر حماية نفسها من الضم السعودي، وهو ليس بالتهديد بعيد المنال إذا ما نظرنا إلى عدد من حملات السعودية العسكرية عبر مياه الخليج في الماضي، فإنها يجب أن تخلق لنفسها بقوة مكانة دولية بارزة على خريطة العالم، بحيث لا يمكن تجاهل وجودها بسهولة في المستقبل.
وقطر قريبة من تركيا أيضًا، وعلاقاتهما مبنية على أسس اقتصادية وعقائدية على حد سواء. الحكومة الإسلامية المعتدلة جدًّا في تركيا ترى الإخوان أيضًا كقوة تستحق أن تتقدم سياسيًّا في المنطقة. والحقيقة في الشرق الأوسط اليوم هي أن الليبرالية العلمانية قد لا تحظى بالدعم الجماهيري لبعض الوقت في المستقبل، بينما تتطور أشكال الحكم الإسلامي ببطء هناك. الإخوان يمثلون عملية انتقال موثوقة، وربما وسيلة للجمع بين القيم الإسلامية وبعض من أسس العملية الديمقراطية، والتقدم، والمشاريع الحرة. وبالطبع، لا يزال الإخوان يتلمسون طريقهم ويحاولون التعلم من تجاربهم، إلا أنهم ما يزالون متقدمين بكثير بالنسبة لأي حركة إسلامية أخرى في العالم العربي.
ومن المحتمل جدًّا أن تبقى قطر معزولة في المنطقة لبعض الوقت مستقبلًا، من خلال إثارتها غضب الرياض وجيرانها. وهناك بالفعل بعض التناقضات في سياساتها. ولكن، وفي حين أن المستقبل السعودي يبدو محكومًا بالقيادة المتصلبة والرجعية، وبالرؤية الدفاعية، تبدو قيادة قطر شابة ورشيقة ولديها مزيد من الانفتاح والثقة بالمستقبل.
قطر بالطبع ليست في عجلة لتبني عملية ديمقراطية واسعة في الداخل، ولكن طرق تعاملها الجذرية والجريئة مع السياسات الإقليمية، ورعايتها لمحطة الجزيرة المتمردة، قد تساعد في الحفاظ على صورتها التقدمية لسنوات عديدة أخرى، ولا سيّما بالمقارنة مع معظم دول الخليج الأخرى.
مدونة غراهام اي فولر
