قرار النواب "التقاعد" تحايل على الشعب
، وبدلاً أن تُسجل عليه وتعصف تلك التصرفات بالبرلمان سُجلت له.
قارب عمل النواب بين دورة غير عادية واستثنائية سنة شمسية ، ولم تحدث فجوات كبيرة في جدار المجلس طوال هذه المدة، والتشريعات التي اقرت والعمل الرقابي الذي قدمه النواب لا بأس فيه، وزاد من اضفاء نوع من الركازة على صورة المجلس قيادته بادارة رئيس المجلس سعد هايل السرور.
في مارثون الثقة والموازنة وصلت الامور الى حدود جيدة في التصويت النيابي، والحكومة حصلت على الثقة بشق الانفس وكاد البرلمان أن يطيح ببنود رفع أسعار الكهرباء في قانون الموازنة العامة لكنها نفدت، وأثرت هذه الحوادث على صورة المجلس وانطباع الناس عنه.
كل ذلك لم يهشم صورة المجلس بالكامل كما سابقه على الأقل ولم يفقده توازنه أو انعدام ثقة الناس به ، وبقيت المشاجرات النيابية هي اللوثات التي علقت بالمشهد النيابي خلال الشهور الماضية ولعل حادثة “الكلاشينكوف” تجفف منابع هذه التوترات خلال الفترة المقبلة.
* التقاعد المدني :
اليوم، ما فعله مجلس النواب بإقرار التعديلات على قانون التقاعد المدني يُمكن وصفها ب”المُهينة” للأردنيين وستقلب المعادلة اذا ما استمر البرلمان في قراره ، لأن المجلس تحايل في تعديلاته على الشعب ليمنح نفسه امتيازات هائلة وطائلة تعادل نفاذ القانون الذي رغب المجلس السابق بالعودة اليه بعد ابطال القانون المؤقت لسنة 2010.
الملك الذي رفض ابطال القانون ومنع حصول رواتب تقاعدية ابدية لأعضاء مجلس النواب والاعيان ، حث الحكومة وقتها على إعداد دراسة شاملة لموضوع التقاعد المدني ، تتوخى فيه العدالة والشفافية والموضوعية، وتؤدي إلى تقديم مشروع قانون جديد ينظم جميع المسائل المتعلقة بتقاعد أعضاء السلطات الثلاث: التنفيذية والتشريعية والقضائي.
وشدد الملك في الرسالة التي وجهها الى رئيس الحكومة عبد الله النسور عقب رفضه بطلان القانون المؤقت على معالجة التشوهات والإرباكات التي نتجت عن التعديلات المتكررة التي أُدخلت على القانون الحالي، على مدار العقود السابقة، والتطورات المستجدة التي أفرزت تفاوتاً في الفهم والتطبيق بما قد يُعتبر مسّاً بمبادئ العدالة والمساواة في المراكز القانونية بمفهومها الواسع، وبما يضمن عدم استغلال هذا التشريع لتمرير مكتسبات تقاعدية ومالية غير عادلة، لا تراعي الصالح العام”.
ويبدو أن مجلس النواب لم يفهم الرسالة وطوّع المواد التشريعية لصالح خدمة جيبه، حينما أقر امتيازات لا مثيل لها واعتمد قانوناً للتقاعد اسوأ من ذلك الذي رفضه الملك سابقاً ، حيث ابقى على مشروع الحكومة الذي يتحدث عن (7) سنوات خدمة للحصول على التقاعد لكن اعتبر يوم واحد في مجلس النواب بـ (4) سنوات بمعنى أنه لو حُل مجلسان في عامين فإن عضوية النائب تحسب هنا (8) سنوات خدمة ويتحصل على راتب تقاعدي مدى الحياة.
النواب تمادوا في “تدليل” انفسهم وهم يعطون أحقية لعضو البرلمان يجمع راتبي التقاعد والمكافأة بينما حرمها على عضو مجلس الوزراء، وزاد من ذلك بان طالب بتقاعد نيابي بمقدار الذي يحصله الوزير بالحكومة في قرارات كان محط استغراب الجميع.
* صدمة :
وصُدم المراقبون والمتابعون للشأن البرلماني أثناء مناقشة النواب للقانون واقرارهم للتعديلات التي منحت البرلمان امتيازات لم تراع أبداً الظرف المعيشي للمواطنين ومتواليات الارتفاع على الأسعار في كل شيء بالمملكة، قبل أن ينهال الشعب بالنقد والسخرية مما حصل على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
قاد النائب عبد الكريم الدغمي خلال الجلسة مبادرة لإرجاء التصويت على الموضوع لعلمه الأكيد بمآلات المشهد، لكن لم يستجب البرلمان لمقترحه، كما أن النائب عساف الشوبكي حذر من إقرار التقاعد على هذا النحو وهو الأمر الذي تسبب بإزعاج زملائه.
النائب جميل النمري سارع لإصدار تصريح صحفي يتنصل من جزئية تتعلق بجمع الراتب التقاعدي مع مكافأة المجلس رغم أن هنالك (3) مثالب أخذت على القانون، في الوقت الذي كان الوزير الاسبق ورئيس ديوان التشريع الدكتور نوفان العجارمة أكثر صراحة وهو يُذّكر بخطاب الملك وتويجهاته بهذا الصدد، معتبراً العجارمة أن ما حصل في مجلس النواب “يعيد الامر الى المربع الاول” و”كأن الموضوع مكانك سر”.
* فض الدورة :
وجاء فض الدورة بعد نحو ساعتين على إقرار مجلس النواب لقانون التقاعد المدني وإن لم يكن “التقاعد” السبب الرئيس في تلك الارادة حيث المواقيت الدستورية وقانون الضمان الاجتماعي إلا أنها لا تخفي الانزعاج مما اتخذه البرلمان من قرارات.
واختصرت الارادة على الأعيان الذي لا بد أن يتدخل ويعيده الى مجلس النواب خلال الدورة العادية المقبلة لتعديل قانون التقاعد المدني الجدلي، ويتوقع أن تكون هذه الفترة (العطلة التشريعية) حتى مطلع شهر تشرين ثاني نوفيمبر المقبل (بدء الدورة العادية الاولى لمجلس النواب السابع عشر) مهلة لاعادة الرأي والتفكير فضلاً عن الانتقادات التي ستلاحق النواب من قبل القواعد الانتخابية لمثل هذه التعديلات والقرارات المرفوضة شعبياً.
قصة القانون :
بدأت قصة قانون تقاعد النواب قبل انتخابات البرلمان السادس عشر أوساط العام 2010 م ، حيث اقدمت حكومة سمير الرفاعي وأثناء غياب البرلمان على إصدار قانون مؤقت (رقم 10 لسنة 2010 المعدل لقانون التقاعد المدني رقم 34 لسنة 1959) يحظر التقاعد على اعضاء السلطة التشريعية.
وقضى القانون بمنع النواب والاعيان الحصول على تقاعد بعد انتهاء مدة خدمتهم والاكتفاء بمكافآت شهرية تصرف لهم نهاية كل شهر خلال فترة عضويتهم في البرلمان.
وطبق القرار على أعضاء المجلس السادس العشر المنحل، إلا أن مجلس الأمة بشقيه (الأعيان والنواب – المجلس السادس عشر- ) رفضا القانون المؤقت في جلسة مشتركة عقدت بتاريخ 24 نيسان 2012 ، ما أدى إلى قيام حكومة فايز الطراونة بابطاله في تاريخ 15 / 5 / 2012.
الملك كان له رأي آخر فاصدر ارادة ملكية بتاريخ 19 / 11 / 2013 تخالف توجهات الحكومة ومجلس الأمة ورفضت الموافقة على اعلان بطلان القانون المؤقت، وجاء الاعلان الملكي في أعقاب اسابيع قليلة من حل مجلس النواب السادس عشر.
ووجه الملك في نفس اليوم رسالة مطولة الى حكومة عبد الله النسور طالبها “بإعداد دراسة شاملة لموضوع التقاعد المدني بما يضمن عدم استغلال هذا التشريع لتمرير مكتسبات تقاعدية ومالية غير عادلة، لا تراعي الصالح العام”.
مع انطلاقة مجلس النواب الحالي (السابع عشر) رأى مجلس النواب أن الارادة الملكية الرافضة لبطلان القانون تشوبها مخالفة دستورية، فصوت البرلمان بتاريخ 13 / 2 / 2013 م على استفتاء المحكمة الدستورية حوله بهدف “اجلاء واتقاء الشبهة الدستورية” بحسب ما اعلن حينها رئيس مجلس النواب سعد هايل السرور.
الوزير الاسبق والنائب المخضرم عبد الكريم الدغمي حث النواب على توجيه سؤال حول دستورية معاملة القانون المؤقت كالقانون العادي، وإن كان هذا الامر يطبق أم المادة (94) من الدستور .
من جهتها اصدرت المحكمة الدستورية قراراً بتاريخ 23 / 7 / 2013م تؤكد فيه ” انه لا يجوز معاملة القانون المؤقت في هذه الحالة اذا تم رفضه من قبل مجلس الامة معاملة القانون العادي (حسب الدستور) لان علاقة المجلس بالقانون المؤقت قد انقطعت ويبقى القانون ساري المفعول خلافا للوضع مع القوانين العادية”.
وببرت المحكمة قرارها ” لان المشرع الدستوري لم ياخذ بمبدأ التعامل مع القانون في حالة رفضه لحالة محددة نصا في المادة 93 من الدستور ولم يفعل الشيء ذاته مع القانون المؤقت نظرا للطبيعة الخاصة له باعتباره مختلفا في وضعه عن السياق العام للقوانين .. ولو كان المشرع قد شاء ذلك لفعل والقاعدة القانونية في التفسير تقول: (ان الاختلاف في العلة يمنع من التشريك في الحكم ).
ورأت المحكمة ان القانون المؤقت يتساوى مع مشروع القانون العادي في حالة اقراره او تعديله للمصادقة عليه، والامر باصداره ولايتساوى مع القانون العادي في حالة رده من مجلس الامة وعدم موافقة الملك على اعلان بطلانه .
وقالت المحكمة ان عدم موافقة الملك على اعلان بطلان القانون المؤقت (الذي منح النواب رواتب تقاعدية) مرفقة باسباب ومبررات الرفض في كتاب موجه الى رئيس الوزراء يتضمن توجيها الى الحكومة بوضع مشروع قانون جديد يتولى تنظيم جميع المسائل المتعلقة بتقاعد السلطات الثلاث والاشارة الى اعداد دراسة شاملة لموضوع التقاعد المدني بابعادة المختلفة تتوخى فيه العدالة والشفافية والموضوعية، ويعالج التشوهات التي سببتها مجموعة التعديلات التي ادخلت على القانون الحالي على مدار العقود السابقة .
وبناء على قرار المحكمة فان موضوع التقاعد المدني وبضمنه مسألة تقاعد النواب يجب ان تبحث من خلال مشروع قانون تقدمه الحكومة او تتقدم به بطلب من مجلس الامة وفق الاصول الدستورية.
الحكومة بعد هذا القرار تقدمت بمشروع قانون جديد ادخلت اللجنة القانونية تعديلات عليه وعرضتها على مجلس النواب الذي وافق عليها اليوم الثلاثاء 24 / 9 / 2013 م.