عبد الباري عطوان : 48 ساعة حاسمة في تاريخ الازمة السورية
الكيماوية في غوطة دمشق ومقتل المئات من الابرياء نتيجة لذلك، وترجيح استخدام النظام لها، دون انتظار اي تحقيق دولي مستقل ونتائجه بالتالي.
وتزامن هذا مع الاعلان عن لقاء لقادة هيئة اركان الجيوش الامريكية والفرنسية والبريطانية والسعودية والقطرية في عمان غدا لبحث الازمة السورية، وتأكيد صحيفة ‘صنداي تايمز’ بان اوباما اتفق مع ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا على الاهداف التي يمكن ان تقصفها صارويخ كروز الامريكية من سفن حربية مرابطة قبالة السواحل السورية حاليا داخل الاراضي لسورية، مع عدم استبعاد في الوقت نفسه اقامة مناطق حظر جوي.
المعارضة السورية تقول انها تملك الادلة والبراهين، وتتحدى النظام ان يسمح لفريق المفتشين الدوليين المتواجد حاليا في احد فنادق دمشق بزيارة المنطقة المنكوبة، والنظام ينفي هذه الاتهامات ويؤكد امتلاكه ادلة مضادة تؤكد تورط المعارضة، واعلن وليد المعلم وزير خارجية سورية على الاستعداد للتعاون مع فرق التفتيش الدولية والسماح لها بمعاينة الموقع، في تطور جديد ربما جاء كمحاولة عاجلة لتطويق الازمة وتجنب الحرب.
***
وليم هيغ وزير الخارجية البريطاني يتبنى وجهة نظر المعارضة، وحسم امره باتهام النظام وطالب بتدخل خارجي، وسيرغي لافروف وزير الخارجية الروسي يقف الى جانب رواية النظام ويزيد عليها امتلاك بلاده لادلة موثقة تدين المعارضة، وتتخذ الصين وايران مواقف متطابقة.
الساعات 48 القادمة ربما ستكون حاسمة، فاذا قرر اوباما ان النظام السوري اخترق الخطوط الحمر، واستخدم الاسلحة الكيماوية، فان هذا قد يتحول الى ضوء اخضر للبدء في قصف المطارات والقواعد العسكرية السورية كرد فعل انتقامي، الامر الذي قد يفجر حربا عالمية ثالثة، لان روسيا والصين وايران، حلفاء دمشق لن تقف مكتوفة الايدي.
كما ان النظام السوري، وطالما ان الحكم صدر بادانته، وتعرض للقصف تطبيقا له، اي الحكم الامريكي، فقد لا يتورع عن استخدام هذه الاسلحة على نطاق اوسع، سواء ضد معارضيه او اسرائيل، لخلط الاوراق، على اساس انه لن يسقط وحده، وسيأخذ اخرين معه، مثلما هدد اكثر من مرة.
السيد جهاد المقدسي المتحدث السابق باسم الخارجية السورية (موجود حاليا في ابو ظبي بعد انشقاقه) فاجأ العالم باسره قبل عام عندما اعلن في مؤتمر صحافي ان النظام يملك اسلحة كيماوية وبيولوجية، وسيستخدمها ضد اي عدوان خارجي يستهدف سورية، ولكنه لن يستخدمها مطلقا ضد شعبه.
اعداء النظام معروفون، والتدخل الخارجي معروفة هوية اصحابه (اسرائيل وامريكا وصف تصنيفه)، وهذا التدخل قد يكون وشيكا حسب تحركات السفن الحربية الامريكية التي تتدفق حاليا الى البحر المتوسط قبالة السواحل السورية، والنظام فعلا قد لا يستخدم هذه الاسلحة ضد الشعب السوري، ولكنه قد يستخدمها ضد المعارضة السورية وتجمعاتها التي لا يعترف بانها من هذا الشعب، وانما قوى ارهابية دموية مرتبطة بالغرب.
***
نحن امام تطور جديد وخطير فالجميع يقفون حاليا على حافة الهاوية ويحبسون انفاسهم خوفا ورعبا في انتظار الرصاصة الاولى، او الصاروخ الاول الذي سيفتح ابواب جهنم على المنطقة والعالم باسره.
فاما ان تؤدي ازمة الاسلحة الكيماوية هذه الى حرب شاملة وعالمية ثالثة، او ان تقنع جميع الاطراف، والروسية والامريكية خاصة، بضرورة بل وحتمية الذهاب بسرعة الى مؤتمر جنيف بحثا عن حل سلمي، واغلاق هذا الملف بأسرع وقت ممكن.
النظام السوري يجب ان يصل الى قناعة راسخة بانه لا يمكن ان يحسم هذه الحرب الى صالحه، مهما حقق تقدما في بعض الجهات، ويجب ان يتذكر جيدا ان ضعف المعارضة المسلحة لنظامه وتفاقم الانقسامات بينها امر لا يمكن الرهان عليه.
بعض الدول العربية الخليجية بقيادة المملكة العربية السعودية التي تدعم المعارضة السورية بالمال والسلاح، وتستخدم عضلاتها المالية للضغط على امريكا للتدخل عسكريا، يجب ان تعترف انها ارتكبت خطأ كبيرا عندما اعتقدت ان النظام السوري سيسقط في غضون اشهر معدودة مثل نظام القذافي او علي عبد الله صالح في اليمن، وان عليها اصلاح هذا الخطأ الكارثي بتاييد حقيقي لمخارج سياسية لهذه الازمة وحقن الاوضاع في سورية خرجت عن السيطرة حتى قبل ظهور سيناريو استخدام الاسلحة الكيماوية، وزيادة احتمالات التدخل العسكري الامريكي، وقد تخرج المنطقة كلها عن السيطرة نتيجة لاي تدخل خارجي مسلح بالطريقة التي يتحدث عنها الجنرالات الامريكيون.
***
لا بد من الحكمة والتبصر بالاخطار التي يمكن ان تحرق الجميع اذا ما استمر البعض في التعاطي مع الملف السوري في المعسكرين المتواجهين، من منطق الاحقاد والنظرات الطائفية البغيضة والتعطش للانتقام وتصفية الحسابات، فما جرى في لبنان من تفجير مساجد سنية في طرابلس ردا على تفجيرات سيارات مفخخة الضاحية الجنوبية ‘الشيعية’ من بيروت، وما يجري حاليا من حرب طائفية في العراق، هو العنوان الابرز لمحيط دموي ينتظر المنطقة.
لا نستطيع ان نتجاهل سيناريو العراق، والتذكير بأن هذا البلد جرى تدميره تحت اكذوبة اسلحة الدمار الشامل، واستبدال نظامه بالفوضى والتفتيت نتيجة للاحتلال الامريكي، وتقديم بعض شخصيات المعارضة ادلة دامغة حول امتلاك نظام الرئيس صدام حسين لها وبقية القصة معروفة.
السؤال الذي لا يمكن ان نتجنب طرحه، هو اذا اكتشفنا بعد التدخل الامريكي العسكري في سورية، في حال وقوعه، ان النظام فعلا لم يستخدم هذه الاسلحة الكيماوية في غوطة دمشق، وان طرفا ثالثا استخدمها لتبرير التدخل الامريكي؟
ندرك جيدا ان وجهة نظرنا هذه لن تجد آذانا صاغية، بل ربما التهكم في ظل حملات التحشيد والتضليل الاعلامية الحالية التي نشهدها حاليا عبر الفضائيات، ولكنه لاخير فينا ان لم نقلها.