العجلوني يكتب .. وطني الأردن تاريخٌ وانتماءٌ وأمانةٌ وعهدٌ وتكافل ومسؤولية

كتب. الدكتور يوسف العجلوني

الوطن أعظم ما في الوجود، والإنتماء إليه واجب، والدفاع عنه فرض عين. الوطن ليس له بديل، ولا يعوضه إرث ولا مال، فيه كياننا وعزتنا وأحلامنا وأمنياتنا ومستقبلنا، الوطن طمأنينة وسعادة، الوطن أعز مكان في الدنيا، هو الصاحب الوفي طول العمر، وحضنه الدافئ يضم الجميع، مهما تغيرت الأحوال والظروف والأيام.

حب الوطن يأتي بالفطرة منذ الصغر، ويكمن في القلوب، ويظهر في الأفعال والأقوال، حب الوطن يتجسد في العمل المستمر والإخلاص، ويعني المساهمة من أجل المحافظة على مقدراته وتطويرها، حب الوطن يعني الإعتزاز والفخر وبذل الجهد والتضحية من أجل الوطن، ويعني أن نمثّله تمثيلاً مشرفاً في بلدان العالم، ويعني احترام العادات والتقاليد والأعراف. حب الوطن يعني أن يخاف الإنسان على وطنه أكثر من خوفه على نفسه.

الوطن ليس شعارات رنانة، ولا كلمات منمقة، ولا مزايدات. الوطن هو الهوية، والكيان الروحي والعاطفي، وهو مصدر الأمان، حيث يمنح المواطنين الشعور بالاستقرار والثقة بالنفس. الوطن دائماً في خدمة المواطن، ويجب على المواطن أن يكون دائماً في خدمة الوطن، لأن خدمة الوطن هي الانتماء والشرف، لذلك كلنا نفدي الوطن بالنفس والمال، ونتسلح بالعلم والمعرفة، من أجل النهوض به، ونسعى جاهدين إلى بناء حضارة فكرية وثقافية من أجل الارتقاء به.

الجيش الأردني هو رمزُ الهوية الوطنية والفخر، فهو يعكس الهيبة، ويحقق الاستقرار للبلد، والجيش له التزام أساسي وعقيدة راسخة تجاه الوطن ومصالحه، وعنده الولاء المطلق للقيادة، ويسعى دائماً لحماية تراب الوطن، وحماية الدستور والمقدرات. الجيش يضمن سيادة القانون، الجيش هو القوة والعزة والثبات، ورمز الأمان، وهو السيف والدرع الذي يخيف الأعداء، الجيش لا يعرف الهزيمة ولا التردد، ويواجه كل التحديات والمخاطر مهما صعبت. ورجال الجيش من كل مناطق الوطن، نشأوا على التضحية بأرواحهم في سبيل الوطن، وتربوا على القيم النبيلة والعزة والكرامة والشجاعة والإصرار، وهم أصحاب القرارات المناسبة في السلم والحرب، وفي الأوقات الحرجة، وعملهم دائماً دؤوب ومتقن.

المواطن عليه واجبات تجاه وطنه، وعلى عاتقه تُلقى مسؤوليات جليلة مثل الدفاع عن الوطن، والمحافظة على مقدراته وممتلكاته، وترشيد استهلاك الموارد الطبيعية، والمساهمة في التنمية والتطوير، والانخراط في الأعمال التطوعية.

المسؤولية في مؤسسات الدولة أمانة وواجب وطني، ويجب أن يكون المسؤول منتمياً ومحباً ومخلصاً للوطن، لتستطيع المؤسسة تحقيق عملها، ولابد أن يكون المسؤول مؤسسياً، ومن أبناء المؤسسة، أو مختص بما تقوم به المؤسسة، ويتعامل مع الموظفين بعدالة، ويسمع جميع الآراء، ويعمل بروح الفريق، ويشجع على التنمية والتطوير، ويحترم قوة ومعرفة زملائه، ويساعدهم على تحمل المسؤولية، ويعزز ترابط العمل المؤسسي، ويركز على النتائج، ويهتم بتقييم ومتابعة العمل، ويكون غيوراً على مصلحة المؤسسة والمصلحة العامة.

حب الأردنيين وانتماؤهم للوطن يفوق كل التوقعات، وهذا سر تجمعهم حول الوطن مهما كانت الظروف، فلا تهمهم القبلية ولا الإقليمية ولا الديانة عندما ينادي الوطن. على مدى التاريخ، لم تنجح المكائد في أن تفرق بين صفوف الأردنيين، ولن تنجح يوماً بأمر الله. الأردنيون أثبتوا أنهم الرجال النشامى الأوفياء، أصحاب المبدأ والكلمة والقرار في جميع المحافل والمواقف والظروف.

الوطن لا يمكن أن يسيء لأبنائه، ولكن من يسيء هم الفئة السيئة الظالمة، والذين يلحقون الأذى والضرر بالوطن والمواطنين، والوطن منهم براء، وهذا يعتبر جريمة في حق الوطن والمواطن مهما كانت المبررات، ويعتبر فتنة ويضعف الروح المعنوية والانتماء، ولا يجوز أن يكون هناك تهاون ولا رحمة بهؤلاء الناس، لأن ما يقومون به هو خيانة للوطن وعار، ولا يقبل ذلك الشرفاء، وليس ذلك من الأخلاق ولا الشرع، وهو خروج واضح عن كل التعاليم الدينية في جميع الأديان.

المواطن الصالح يهمه وطنه أولاً، قبل مصالحه الشخصية، ويرفع رايات الوطن في مختلف المجالات. المواطن الصالح يتحلى بالقيم والأخلاق الحميدة، ويلتزم بالأمانة والصدق بتعامله مع أبناء الوطن، ويكون قدوة لغيره، لا يغش ولا يخدع ولا ينافق، ولا يتستر على الفساد والفاسدين، ولا يقبل الرشوة ولا الواسطة ولا المحسوبية.

الإنتماء للوطن في الأصل أن يكون موجوداً وبقوة عند معظم الناس، ولكن من الطبيعي أن تختلف درجة الانتماء بين شخص وآخر، وذلك بسبب تأثير الظروف المادية والنفسية والفكرية والإجتماعية الموجودة داخل الوطن، فعندما لا يجد الإنسان في الوطن كفايته من الكرامة والأمان والغذاء والدواء والتعليم والسكن والوظيفة، فإنّه سيضطرّ للرحيل، وعندما لا تتوفر فرص العمل يتكون لدى الفرد إحساس بالغُربة في بلاده، وعندما لا يكون هنالك تكافؤ في الفرص في تولي المناصب يضعف الانتماء، ووضع الرجل غير المناسب في المناصب يضعف ثقة المواطن بوطنه، وعندما لا تتم محاسبة الفاسدين ولا تُقدُر الكفاءات يضعف الإنتماء، وعندما يكون المسؤول أحمقاً وغبياً وممن كانوا أقل الناس جهداً وعلماً وعملاً وكفاءةً، يفقد المواطن الأمل في القادم ويفقد الشعور بالمصداقية والمستقبل الآمن، وعندما يقلق الإنسان على نفسه وعرضه وماله ودينه يقل انتماؤه، وعندما تتعدى الدولة على رزق المواطن ويَشعر الفرد بأن حقوقه تضيع وكرامته تمتهن يقل الانتماء.

هنالك منغصات تحدث في كل الأوطان، وليس ذلك من صنع الوطن ولا عيباً فيه، وذلك يجب أن لا ينقص من درجة الانتماء للوطن، مثل كثرة المنافقين والدبيكة والحمقى، ووجود مؤسسات لا تمشي على نسق أو قانون، وغياب العدالة والكيل بمكيالين، والشخصنة، ووجود أشخاص لا يهمهم المقدرات ولا المؤسسات ولا الكفاءات، ووجود نظام ضريبي ظالم، أو نظام جمركي جائر، ووجود الشركات الخدمية المتغولة على المواطن، وعيش بعض العائلات بالفقر من أجل توفير المال لتعليم الأبناء بسبب ارتفاع نفقات التعليم الجامعي، وتفشي الرشوة، وعندما يكون في مراجعة المؤسسات الحكومية عبئاً نفسياً ومادياً، وغياب الرقابة الحقيقية عن المسؤولين الذين يعيثون فساداً ويدمرون المؤسسات العامة، ذلك أمر مؤلم ومحبط جداً.

أعداء الوطن أنواع: هنالك من نعرفهم، وقد أعلنوا العداء بشكل صريح وواضح، وهؤلاء يسهل على الدولة والمواطن الصالح التعامل معهم ومواجهتهم واتخاذ الاجراء المناسب بحقهم. وهنالك أعداء للوطن يقيمون خارج الوطن، ويخدمون سياسات وأهداف دول أخرى، بعد أن تم غسل أدمغتهم، ويتحدثون بما يتم تلقينه لهم، من أجل مال أو سلطة أو لجلب الأنظار. وهنالك أعداء في داخل الوطن ممن يدّعون الوطنية، وهم طغاة وفاسدون، يتقنون فن الكذب ويصلون إلى المناصب، وينخدع بهم الكثير على أنهم من المخلصين، وهم في الحقيقة من أخطر أعداء الوطن، لأنهم أدوات تدمير مستمر، يتلاعبون في أمور المواطنين بغير ما تقتضيه الحاجة، هم أصحاب مصلحة شخصية، يستخدمون الشعارات الوطنية ليزينون بها أشكالهم وحضورهم في المجتمع، ويمارسون الفساد الإداري والمالي، يستغلون مناصبهم ونفوذهم، ويحاربون الكفاءات، ويقتلون العدالة والإنصاف والبناء والتقدم، ويخونون الأمانة. وهنالك أعداء الـوطن الذين يسكتون ويتستروا عن فساد الفاسدين، ولا يقولوا كلمة الحق، فيقوى الباطل على الحق.

المسؤولون الفاسدون الذي باعوا ضميرهم، يجب ألا تمر فعلتهم دون عقاب شافٍ، ويجب اكتشافهم في مختلف المؤسسات وإبعادهم، وحماية الوطن والمواطن من شرورهم، لأن تجاهل الفساد في المؤسسات هو أيضاً اعتداء على الوطن وتهديد لقوته واستمراريته، لذلك يجب أخذ الموضوع بجدية وإعطاؤه الأولوية في الاجراءات الإدارية والقانونية، والضرب بيد من حديد.

الانتماء للوطن يعني أن تكون ايجابياً ونافعاً ومنتجاً ومحباً للوطن بكل المعاني، وتكون صاحب الكلمة الطيبة والفكر الهادف، وتكون مصلحة الوطن عندك فوق كل اعتبار، وأهم من كل المصالح الشخصية، وتسعى لتحقيق الإنجازات والخدمات التي تحقق رفاهية المجتمع وتقدمه، ويهمك الثوابت والقيم الوطنية، وتكون معتدلاً وسطياً، وتحترم الآخرين ومتطلباتهم، ولا تتبنى الأفكار المسمومة ضد الوطن، ويكون كلامك دائماً نحو السمعة الجيدة عن الوطن، وترفض الفكر والتحليلات التي تروجها وسائل الإعلام الخارجية من خلال أعداء الوطن بالمنطق والعقل.

الانتماء للوطن هو أساس لتعزيز الروابط الاجتماعية وتعميق العلاقات الإنسانية، وجودة الحياة النفسية والاجتماعية، ويعزز الشعور بالاستقلالية والكرامة والثقة بالنفس، وتحمل المسؤولية تجاه المجتمع والوطن، وبناء مجتمع مترابط متماسك مزدهر يسوده التعاون والتسامح، ويقلل من مستويات الضغط والقلق، ويوفر الشعور بالوجود والمعنى في الحياة، وتكون السعادة والرضا، وتتحقق المعجزات، وتظهر هيبة الدولة، وتتحقق المصلحة العامة.

يجب تعزيز الإنتماء للوطن، وإعادة الحسابات الصحيحة من خلال الفهم الصحيح لأهمية الإنتماء للوطن وما يعنيه، والعمل على تقوية الانتماء والنظر بايجابية من زاوية الوطن، واتخاذ الاجراءات اللازمة للعودة للطريق المستقيم ليبقى الوطن بخير وتتحقق المصالح الشخصية من خلال مصلحة الوطن.

في الأردن، أنت تملك الحرية الكاملة بكل شيء ضمن القانون والمنطق، ولا يمكن أن تمتهن كرامتك، وتستطيع أن تعمل ما تريد، وكل شيء موجود، ولك الحق في التعليم والدراسة الجامعية كما تريد، وحسب رغبتك وقدراتك، وتستطيع الحصول على الوظيفة الحكومية والعمل الخاص بأي مكان أنت ترغب به ضمن ضوابط إدارية وقانونية، ولك الحق في التجول أينما وكيفما تريد، ولك الحق بالمناقشة والاعتراض في كل ظرف ومكان، وتستطيع التعبير عن نفسك ورأيك مع كل من هم حولك، وتسير في الطرقات بثقة وأمان ومتعة وراحة بال، ويحترمك شرطي المرور في معظم الأحوال ما دمت لست مخالفاً. الأردن لا يتوانى عن توفير العلاج اللازم للمرضى مهما كان ثمنه، حتى وإن احتاج الأمر الذهاب للخارج، وفي الأردن في معظم الأحيان لا يكون هنالك تحيز ولا تمييز ولا ظلم، ولا يضيع لك حق إذا تابعت المطالبة به، ويمكنك الوصول لأعلى مسؤول بالمملكة اذا تطلب الأمر.

الغربة هي أعظم طريقة واقعية ومجربة تكشف معنى أهمية الوطن. في الغربة ستعرف أن ألم فراق الوطن من أصعب وأشد الآلام التي ممكن أن يتعرض لها الإنسان، وممكن أن لا تستطيع تحملها، لا يوجد راحة ولا صفاء ولا اُنس ولا متعة حقيقة بعيداً عن الوطن، وشعور بالمرارة والعذاب والوحدة واليأس والفقد وغياب الأحبة، ستجد نفسك تبكي متكرراً من شدة الشوق والذكريات، ستشتاق لحنية وحضن الوطن، ستشعر بكسر الظهر، ويؤلمك عدم الشعور بالأمان والسكينة، لن تجد أفضل من الوطن ولا حتى ما يقارن بالوطن، ستشتاق لكل شيء بالوطن: سندويشة فلافل، زيارة قريب أو جار، التجول بالشوارع وتقبيل تراب الوطن.

الوطن بحاجة للمواطن المنتمي الجاهز للتضحية، الذي يخدم الوطن ويدفع الضرر عنه، ويحرص على أمنه واستقراره، الذي يفدي الوطن بصدق، والذي يتصف بالوفاء والإخلاص ويقوم بالعمل المثمر.

مهما تغيرت الظروف والأحداث وتقدمنا بالسن، سوف يبقى الأردن الوطن العزيز والأمانة والعهد والتكافل والمسؤولية والانتماء. لك يا وطني عظيم الاحترام والمحبة والتقدير، والشكر والامتنان والتقديس، ولا يمكننا الإستغناء عنك ولن نقبل لك بديلاً، وأي إساءة لك هي إساءة وضياع لكل شيء في الوجود، وغياب لكل المعاني الجميلة. الأردن هو وجودنا وكرامتنا وعزتنا وشرفنا وهيبتنا وشهامتنا، أموالنا ودماؤنا وأرواحنا فدى الأردن.