تحت وطأة الحر.. فرنسا تغلق برج إيفل ومحطة نووية ومدارس
وكالة الناس – عجزت وزارة التعليم الفرنسية في حماية التلاميذ من موجات الحر المتكررة، مع تفاقم الأوضاع في المدارس التي تتحول إلى أفران بشرية وسط غضب الأهالي والمعلمين.
دعا خبراء في البيئة والتعليم وممثلو أولياء الأمور الحكومة الفرنسية إلى الاعتراف بـ”الفشل البنيوي” في حماية التلاميذ من موجات الحر المتكررة، بعد أن تحولت المدارس إلى أفران بشرية تفتقر إلى أبسط وسائل التبريد.
وفي ظل تجاهل رسمي وصفه البعض بـ”الإنكار المنهجي”، اضطر المعلمون والأهالي إلى الارتجال والاعتماد على المراوح اليدوية ورش الماء لإنقاذ الأطفال من درجات حرارة تجاوزت 40 مئوية. فهل تتحرك وزارة التربية أخيرًا لوضع حد لهذا العبث المناخي داخل الفصول الدراسية؟
في معظم المدارس الفرنسية، تسود أجواء من التخبط والارتجال في مواجهة موجة الحر الحالية في فرنسا. لم يعد الأهالي والمعلمون يُخفون شعورهم بالإرهاق والسخط.
فقد أرسلت وزارة التعليم الوطني صباح الأحد 30 يونيو/ حزيران 2025 إلى جميع موظفيها وإلى أولياء الأمور تعليمات تنصح بـ”استقبال التلاميذ في أماكن محمية من الحر، وإلغاء الأنشطة البدنية والرحلات في أوقات الذروة، والاتصال بالإسعاف في حال حدوث إغماءات”… لكن هذه التعليمات أثارت سخرية مريرة بين الأهالي صباح الاثنين في محيط المدارس، بحسب مجلة “لوبوان” الفرنسية.
وقالت إحدى الأمهات أمام مدرسة ابتدائية في باريس: “درجات حرارة بين 34 و40 درجة مئوية حتى الأربعاء، ويطلبون من المعلمين أن يفتحوا النوافذ لعمل تيار هواء؟ أطفالنا في أمان إذًا!”
ورغم إعلان الإنذار الأحمر في 16 محافظة يوم الثلاثاء من قبل “ميتيو-فرانس”، إلا أن أحدًا لا يبدو على علم بالإجراءات الفعلية التي يجب اتخاذها داخل المدارس.
رغم إغلاق معظم الثانويات بسبب الامتحانات، لا يزال تلاميذ المرحلة الابتدائية يواصلون الدراسة حتى يوم الجمعة المقبلة، كما يخوض طلاب الصف الأول امتحانات الشفوي في اللغة الفرنسية، وطلاب البكالوريا الكبرى امتحانهم الشفهي النهائي.
لكن بالنسبة لرئيسة الوزراء إليزابيث بورن، لا مجال لتأجيل الامتحانات أو تقديم موعد العطلة الصيفية. فقد دعت إلى “إدارة كل حالة على حدة” وفقًا لقرارات الإدارات الإقليمية وبالتنسيق مع البلديات والسلطات المحلية.
اتخذت بعض المدن مثل ميلان، تور، وكاربانترا قرار إغلاق مدارسها منذ الأحد. وبلغ عدد المدارس التي أغلقت جزئيًا أو كليًا الاثنين نحو 200 مدرسة عامة، وارتفع العدد الثلاثاء إلى 1350 مدرسة من أصل حوالي 45 ألف مدرسة في فرنسا.
لكن الوزيرة شددت على أن الإغلاق يجب أن يُقابله توفير بدائل لاستقبال التلاميذ… وهو أمر بالغ الصعوبة عندما تكون المشكلة في تصميم المباني نفسها.
ووفقًا للمجلة الفرنسية، فإن معظم المدارس اتبعت سياسة “سِستم د”، أي الاعتماد على الحلول الفردية المرتجلة.
وكتب مدير مدرسة ابتدائية في باريس لأهالي التلاميذ: “آسف لإزعاجكم يوم الأحد، لكن إن كان بإمكانكم إعارتنا أي وسيلة تساعد في خفض الحرارة، نكون ممتنين.”
في الوقت نفسه، أوصت معلمة الأهالي عبر البريد الإلكتروني بأن: “يلبس الأطفال ملابس خفيفة، ويحضروا قبعة وبخاخ مياه إن أمكن”، وبعض المعلمين وصلوا مبكرًا لفتح النوافذ وتبريد الفصول، وآخرون اشتروا مراوح على نفقتهم الخاصة.
من جهته، قال جان ريمي جيرار، رئيس نقابة المعلمين (Snalc): “إحدى المعلمات اشترت مراوح يدوية لجميع تلاميذها!”
طلبت وزارة التعليم من لجان الامتحانات إغلاق الستائر والنوافذ المواجهة للشمس، وضمان توفر المياه للطلاب. لكن رئيس نقابة المعلمين يعلق: “وكأن المعلمين بحاجة لمن يخبرهم بذلك!”
وأضاف أن ظروف الامتحانات غير عادلة إطلاقًا: “عندما تكون درجة الحرارة داخل القاعة 35 درجة مئوية، يصبح التفكير مستحيلاً… خاصة مع التوتر”. ويذكر أنه في عام 2019 تم تأجيل امتحانات الشهادة الإعدادية لأيام بسبب موجة حر مماثلة.
ويستشهد بتوصية المعهد الوطني للصحة والسلامة المهنية (INRS) الذي يعتبر أن درجات الحرارة فوق 30 درجة للعمل المكتبي تشكل خطرًا صحيًا.
يرى ممثلو أولياء الأمور أن الحل الجذري لا يكمن في توزيع بخاخات المياه، بل في إعادة تصميم البنية التحتية للمدارس.
وقال غريغوار إنسيل، المتحدث باسم الاتحاد الوطني لمجالس أولياء الأمور (FCPE): “أحيي جهود المعلمين، لكن لا يمكن حماية أطفالنا من تغير المناخ باستخدام بخاخات!”
وأضاف: “هذه المدارس تُسمى غلايات في الصيف وثقوبًا باردة في الشتاء. نصف العام يصبح غير قابل للعيش فيه!” ويقدّر أن هناك 52,600 مبنى مدرسي عام يحتاج لتحديث، بتكلفة تُقدَّر بـ50 مليار يورو، وهي كلفة ضخمة بلا شك.
لكن مع طرح فكرة تقليص العطلة الصيفية في إطار اتفاقية زمن الطفولة، فإن موضوع إصلاح المدارس سيعود إلى الواجهة بقوة خلال الأشهر المقبلة.
وسط تصاعد موجات الحر وتكرار سيناريوهات مشابهة كل صيف، يبدو أن النظام المدرسي الفرنسي يواجه تحديًا هيكليًا صارخًا. فهل تتحرك وزارة التعليم قبل أن تتحول مدارس فرنسا إلى أفران مغلقة للأطفال كل صيف؟