عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

إسرائيل تتحرك لإعادة تشكيل الشرق الأوسط.. دون قيود من أحد

وكالة الناس – منذ عام واحد فقط، كانت إسرائيل تعاني من المأزق، فقد كانت غارقة في قطاع غزة، ومحاطة بأعداء مدعومين من إيران، وتحت ضغط من واشنطن لوقف القتال، أما اليوم، فهي تعيد تشكيل الشرق الأوسط وفق شروطها الخاصة، وتدفع إدارة ترامب إلى محاولة اللحاق بها بينما يصعّد القادة الإسرائيليون هجماتهم ضد إيران، قد تؤدي هذه التحركات إلى قلب الأسواق العالمية وإعادة رسم المشهد الجيوسياسي — وربما جر الولايات المتحدة إلى صراع إقليمي واسع.

نجحت إسرائيل فعلياً في شلّ حلفاء إيران، مثل حماس وحزب الله، من خلال سلسلة من العمليات الاستخباراتية الجريئة والحملات العسكرية العنيفة، كما ساهمت في إسقاط نظام الأسد في سوريا، وهي الآن تنقل المعركة مباشرة إلى طهران.

استخدمت إسرائيل غطاء المساعي الدبلوماسية الأمريكية لشنّ هجوم مفاجئ يتجاوز بكثير مجرد استهداف البرنامج النووي الإيراني، بل يهدف إلى شلّ النظام الديني في البلاد، كما دفعت هذه المعركة السياسة الأمريكية إلى الخروج عن المسار الذي حدده الرئيس ترمب في وقت سابق من هذا العام، فبعد أن ظلّ يدفع نحو حلّ سلمي دبلوماسي لمنع إيران من تطوير سلاح نووي، أشاد ترامب بالضربات الجوية الإسرائيلية، وكتب على وسائل التواصل الاجتماعي: “يجب على إيران أن تعقد صفقة، قبل ألا يتبقى شيء”.

وكان ترمب قد تعهد سابقاً بفك ارتباط الولايات المتحدة من صراعات الشرق الأوسط، لكنه أمر بإرسال سفن حربية وطائرات مقاتلة أمريكية لحماية إسرائيل من الهجمات الإيرانية المضادة، وقد تدخل واشنطن بشكل أعمق في النزاع مع أي محاولة من إيران لاستهداف القواعد العسكرية الأمريكية أو تعطيل شحنات النفط في الخليج.

حتى الآن، لم يُفضِ الهجوم إلى صراع أوسع كما كان يُخشى، فقد أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ على إسرائيل رداً على الضربات، لكنها لم تكن ذات تأثير كبير، وبدأ القادة الإسرائيليون والمؤسسة الأمنية يتحدثون عن إمكانية تحقيق “نصر” يعيد ترتيب النظام القائم.

وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، مخاطباً الشعب الإيراني يوم الجمعة: “ليس لديّ أدنى شك بأن يوم تحرركم من الطغيان أقرب من أي وقت مضى، وعندما يحدث ذلك، سيُجدد الإسرائيليون والإيرانيون العهد بين أمتينا العريقتين. وسنُحقق معاً مستقبلاً من الازدهار والسلام والأمل”.

تأتي أجندة إسرائيل الجريئة في المنطقة في وقت تُركز فيه الولايات المتحدة بشكل متزايد على القضايا الداخلية والتهديدات الجيوسياسية في أماكن أخرى، وقد تجاهل ترامب عقوداً من البروتوكولات والأولويات وهو يرسم نهجه الخاص للسياسة الخارجية في الشرق الأوسط. وعلى الرغم من أن تحركاته في المنطقة كانت طموحة، إلا أنها اتسمت بالتذبذب.
فقبل توليه المنصب، ساعدت وساطته في إبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة طال انتظاره، لكن اهتمامه بتلك الأزمة تراجع مع تصاعد التوتر في أوكرانيا وإيران، وقد أطلق مبادرات لتطوير غزة كمقصد سياحي، وتدمير الحوثيين في اليمن، لكنه فقد اهتمامه لاحقاً، وقد أتاح ذلك المجال لقائد أكثر تصميماً مثل نتنياهو لتنفيذ رؤيته بقوة، وتواجه إسرائيل الان تحدي تحويل انتصاراتها إلى إزالة دائمة للتهديد الإيراني، الذي يمتلك ترسانة ضخمة من الصواريخ، وحلفاء ملتزمين بتحقيق وعده التاريخي بـ “إزالة الدولة اليهودية”.

الحاجة العاجلة الآن هي إحراز تقدم أكبر في تدمير البرنامج النووي الإيراني، فقد أمضت القوات الإسرائيلية أياماً في تدمير الدفاعات الجوية الإيرانية، مما مكّنها من تنفيذ هجمات بحرية وجوية بحرية تقريباً، لكنها لم تُلحق بعد أضراراً واسعة بمنشآت إيران النووية المدفونة بعمق والمنتشرة على نطاق واسع.

وقالت إسرائيل يوم الجمعة إنها ألحقت أضراراً جسيمة بمجمع نطنز تحت الأرض، الذي يضم قاعة تخصيب متعددة الطوابق تحتوي على أجهزة طرد مركزي وغرف كهرباء وبنية تحتية داعمة، لكن النجاح الحقيقي سيتطلب تدمير منشأة فوردو المحصنة لتخصيب اليورانيوم — والتي لم تُهاجمها إسرائيل بعد بشكل جاد — وتدمير مخزونات اليورانيوم المخصب التي يُعتقد أن إيران قد وزعتها في أنحاء البلاد.

أما الخطر، فهو أن الفشل في شلّ البرنامج قد يدفع إيران إلى تسريع مساعيها نحو القنبلة.

ويقول جوناثان بانيكوف، ضابط الاستخبارات الأمريكي السابق والمحلل في المجلس الأطلسي: “مستقبل كل من إسرائيل وإيران مرتبط بما إذا كان لدى إيران برنامج نووي في نهاية هذا الصراع. فإذا ظل قائماً، فستظل قدرة إيران على إعادة بناء نفوذها الإقليمي سليمة. وإذا لم يكن كذلك، فسنكون أمام واقع جديد لم نشهده منذ أكثر من عقدين”.

بحلول ظهر الأحد، كانت إسرائيل قد ضربت أكثر من 250 هدفاً في غضون 50 ساعة من الهجمات المتواصلة، ولم تحاول إدارة ترامب كبح جماحها حتى الان وهو تغيير كبير مقارنة بسياسات الولايات المتحدة لعقود، فمنذ أزمة السويس عام 1956، دأبت واشنطن على دعم إسرائيل، ولكن مع وضع حدود لطموحاتها، خشية انفجار النزاعات.

في المقابل، مارست إدارة بايدن ضغوطاً مستمرة على نتنياهو لتقليل كثافة الهجمات التي قد تضر المدنيين، وإنهاء الحرب في غزة، واحتواء التصعيد مع حزب الله في الشمال، وعندما تبادلت إيران وإسرائيل إطلاق النار المباشر لأول مرة العام الماضي، حثّت الإدارة الأمريكية إسرائيل على عدم استهداف القطاعين النووي أو الطاقي الإيراني، خشية التصعيد، وقد شكّل هذا الضغط في نهاية المطاف رد إسرائيل في تلك المرحلة.

هذه المرة، فرض ترامب قيودًا قليلة على أهداف إسرائيل. صحيح أنه طلب مرارًا هذا العام من نتنياهو تأجيل أي تحرك عسكري لإعطاء فرصة للمحادثات النووية بقيادة المبعوث الخاص ستيف ويتكوف، لكنّه تراجع الأسبوع الماضي، عندما ذكّره نتنياهو بانتهاء مهلة الشهرين التي حددها ترامب نفسه لإيران للتوصل إلى اتفاق، وذلك وفقًا لمسؤولين مطلعين على الاتصال بين الزعيمين.

يقول مايكل أورن، السفير الإسرائيلي السابق لدى الولايات المتحدة: “أكبر خطأ يمكن أن ترتكبه الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون هو فرض نهاية مبكرة لهذه الحرب.”

فبعد 20 شهرًا من الحرب، بدأ كثيرون يشعرون بالإرهاق، ورغم وجود دعم واسع للعمل العسكري ضد إيران، إلا أن ذلك يأتي بعد أن استُدعي العديد من جنود الاحتياط المدنيين مرات عدة، ما سبّب اضطرابًا في حياتهم المهنية والأسرية. لا يزال هناك ما يصل إلى 20 رهينة على قيد الحياة في غزة، بالإضافة إلى العشرات من الجثث التي لم تُسترد بعد.

ويُضاعف هذا الشعور بالإرهاق الانقسامات السياسية الحادة بشأن قيادة نتنياهو، فقد أدّت محاولاته لعزل خصومه السياسيين من الجيش والأجهزة الأمنية، ومساعيه لإعادة هيكلة القضاء، وفشله في إنهاء حرب غزة، إلى انقسام الشعب الذي كان موحدًا في بداية الحرب.

كتب أورن على منصة “X” خلال عطلة نهاية الأسبوع: “الألم والإرهاق وعدم اليقين هي ما يطبع المجتمع الإسرائيلي الآن… ولا نعرف إلى متى سنصمد.”

ورغم هذا الإرهاق، فإن هناك فهمًا واسعًا بأن الصراع مع إيران هو الأكثر أهمية، بحسب يوحنان بلسنر، رئيس “معهد الديمقراطية الإسرائيلي” في القدس، فقد أظهر استطلاع أجراه المعهد في أبريل أن أكثر من نصف الإسرائيليين اليهود يؤيدون ضرب إيران حتى بدون دعم أمريكي، مقابل نحو ثلث يعارضون ذلك.

وأشار بلسنر إلى أن هذه النجاحات العسكرية عززت فكرة راسخة لدى المؤسسة الأمنية مفادها أن إسرائيل لا يمكنها “التعايش مع التهديدات” — حتى تلك التي يعتبر مواجهتها خطرة للغاية مثل إيران، والتي تُعدها إسرائيل جذر مشاكلها الأمنية.

قال بلسنر عن الحرب: “إنها حدث ضخم قد تكون له آثار بعيدة المدى على النفسية الإسرائيلية والسياسة الإقليمية”، وأضاف “هذه ليست مجرد جولة أخرى من العنف في الشرق الأوسط… إيران هي آخر عدو متبقٍ.”

يختلف الصراع الإسرائيلي مع إيران يختلف عن المحاولة المثالية لإدارة جورج بوش الابن لزرع الديمقراطية في الشرق الأوسط عبر إسقاط نظام صدام حسين في العراق.

يقول بلسنر: “ستكون إسرائيل سعيدة برؤية النظام الإيراني يسقط، لكن ذلك لا يجب أن يكون الهدف الأساسي”، بل ينبغي، حسب رأيه، أن تركّز إسرائيل على تحويل إنجازاتها العسكرية إلى مكاسب دبلوماسية، وهذا ما حصل في الحرب مع حزب الله، حيث حدّدت إسرائيل هدفًا محدودًا يتمثل في إضعاف الميليشيا ودفعها بعيدًا عن حدود لبنان، وبعد حملة استمرت شهرين، اضطر حزب الله للتوقف عن إطلاق النار والتراجع. وحتى الآن، لم يشارك في المعركة الإسرائيلية مع إيران.

أما في غزة، فالوضع مختلف تمامًا. فقد تعرّضت إسرائيل لانتقادات منذ بداية الحرب لأنها حددت هدفًا يتمثل في تدمير حماس دون أن تضع خطة لحكم القطاع بعد الانتصار، ونتيجة لذلك، استمر القتال 20 شهرًا حتى الآن، ودمّر معظم القطاع، وأودى بحياة أكثر من 55,000 فلسطيني، وفقًا لوزارة الصحة في غزة — التي لا تفصل بين المدنيين والمقاتلين في بياناتها.

وقد قضت إسرائيل على معظم القادة العسكريين لحماس وآلاف المقاتلين، لكن الحركة ما تزال القوة المهيمنة في غزة، ولا نهاية تلوح في الأفق.

في الداخل الإسرائيلي، بدأ الناس يفقدون الثقة في أهداف هذه الحرب، وظهرت حركة سلام تطالب بإنهائها، وقد تراجع الدعم الدولي لإسرائيل في ظل الدمار الهائل في غزة وصور الأطفال الجوعى، وتصاعدت الانتقادات مؤخرًا مع تصعيد الحملة العسكرية وتقديم برنامج مساعدات جديد لم يُوزع سوى كميات محدودة من الغذاء بعد حصار طويل — مما عمّق عزلة إسرائيل وقد تكون له تبعات دبلوماسية لسنوات.

يقول داني سيتريونوفيتش، خبير في الشأن الإيراني من “معهد دراسات الأمن القومي” في تل أبيب: “هناك نوع من النشوة في إسرائيل بسبب النجاحات المبكرة ضد إيران، لكن علينا أن نكون حذرين للغاية.”

الانتصارات العسكرية الإسرائيلية قد تؤدي إلى تقويض مكاسب دبلوماسية كانت ستُعزز أمن إسرائيل على المدى الطويل، فقد كانت البلاد على وشك التوصل إلى اتفاق تطبيع العلاقات مع السعودية قبل هجمات 7 أكتوبر، وهو اتفاق كان سيُعيد تشكيل الشرق الأوسط خلال ليلة واحدة، لكن حماس استهدفت الاتفاق عمداً بهجماتها، واستمرار الحرب يجعل من المستحيل على السعودية أن تعود لطاولة المفاوضات.

يقول دانيال شابيرو، المسؤول السابق في البنتاغون وزميل في المجلس الأطلسي: “من المحتمل أن تقول دول الخليج إنها ستطبّع العلاقات بعد انتهاء الحرب، لأن إسرائيل أقوى دولة في المنطقة، لكن جيوب الغضب والحماس الأيديولوجي والعدائية ستستمر في الظهور بمرور الوقت. حرب غزة ستترك أثرًا طويلًا… ولا أعتقد أن إسرائيل تتوهم بأنها ستحول المنطقة إلى نسخة من الاتحاد الأوروبي.”

يقول سيتريونوفيتش إن تاريخ إسرائيل مليء بإنجازات عسكرية مذهلة واجهت صعوبة في التحول إلى نجاحات سياسية، فقد تحولت اندفاعة الجيش الإسرائيلي السريعة نحو بيروت عام 1982 إلى مستنقع استمر حتى عام 2000، كما أن انتصاره على الجيوش العربية عام 1967 كاد يُلحق به هزيمة عام 1973 بعد مفاجأة أعدائه، يضيف: “التحدي الرئيسي أمام نتنياهو هو تحويل الإنجازات التكتيكية ضد إيران إلى نجاح استراتيجي شامل.”

إيران أُضعفت، لكنها لا تزال خصمًا كبيرًا وعنيدًا. ويأمل المسؤولون الإسرائيليون وترامب في جلبها إلى طاولة المفاوضات وهي في حالة ضعف — لكنها قد ترفض، والأهداف النووية مثل منشأة فوردو للتخصيب محصنة ومدفونة عميقًا، ويصعب تدميرها من الجو. أما استهداف منشآت النفط فقد يُسبب ألمًا اقتصاديًا، لكنه لا يخدم الأهداف الأساسية للحرب، كما أشار سيتريونوفيتش، ويختتم قائلاً: “إسرائيل تواجه حملة طويلة دون مخرج واضح. يجب عليها أن تفكر جديًا الآن بكيفية إنهاء هذه الحرب… أعتقد أنه يجب أن يُطرح سؤال استراتيجية الخروج قبل أن نبدأ الحرب أصلاً”.
 

وول ستريت جورنال