الاقتصاد الوطني يظهر مؤشرات إيجابية منذ بداية العام
وكالة الناس -على الرغم من التحديات الإقليمية وآثارها المحلية التي أثرت على الاقتصاد الوطني، تمكن الاقتصاد الوطني إثبات استعداده لمواجهة الظروف المتغيرة والتطورات الاقتصادية، حيث حقق معدلات نمو ثابتة تعكس قوته ومرونته.
وسارت مؤشرات اقتصاد المملكة الكلية منذ بداية العام، بمنحى تصاعدي، مستفيدة من حالة الثقة لدى القطاعات الاقتصادية، التي تولدت بفعل توجهات الحكومة وجديتها بتنفيذ رؤية التحديث الاقتصادي ومعالجة قضايا وتبسيط وتسهيل الإجراءات ما انعكس على بيئة الأعمال.
وأكد اقتصاديون أن للاقتصاد الوطني، مكامن قوة، يستند عليها في ثباته ومرونته، منها الموقع الجغرافي للمملكة، والسياسة النقدية الحصيفة، والعلاقات الاقتصادية مع العديد من أسواق العالم الكبرى، ووجود ثروة بشرية مؤهلة وفتيّة وغيرها.
وأشاروا إلى أنه رغم وجود تحديات عديدة، أثرت على مختلف مناحي الحياة، خاصة السياحية والاستثمارية والمالية؛ وحقق الاقتصاد الوطني مؤشرات إيجابية عديدة، تؤكد صلابته ومنعته، وقدرته على تحقيق المزيد.
وتجاوزت الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي 21 مليار دولار، فيما انخفض معدل الدولرة (عملية استبدال العملة المحليّة بالدولار للقيام بالأدوار المحورية للمال في الاقتصاد) إلى 18.4 بالمئة مع نهاية العام الماضي، وتراجع معدل التضخم إلى 1.6 بالمئة وتوقع استقراره حول 2 بالمئة بالعام الحالي.
وسجل سوق العقار ارتفاعًا في حجم التداول بنسبة 9 بالمئة خلال شهر كانون الثاني الماضي ، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، حيث بلغ إجمالي التداول ما يقارب 545 مليون دينار.
وتضاعف الناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من القرن الحالي 5 مرات، حيث سجل عام 1999 ما قيمته 7.12 مليار دينار، بينما وصل في 2023 إلى نحو 36 مليار دينار بالأسعار الجارية.
وارتفع نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي من 1235 دينارا في عام 2000 إلى 3133 دينارا في 2023، وبلغ رصيد المملكة من العملات الأجنبية رقما قياسيا وصل إلى نحو 21 مليار دولار، مقابل 4.7 مليار دولار عام 2000.
وقال رئيس صندوق استثمار أموال الضمان، ووزير المالية الأسبق، الدكتور عز الدين كناكرية، إنه لا شك في أن أوضاع عدم الاستقرار في المنطقة لها أثر كبير على اقتصادات العديد من الدول ومنها الأردن، خاصة في المجال السياحي والاستثماري والمالي؛ إلا أن الاقتصاد الوطني ورغم هذه التحديات الكبيرة حقق مؤشرات اقتصادية إيجابية، تمثلت في تحقيق معدلات نمو في الناتج المحلي الإجمالي وارتفاع في الاحتياطي من العملات الأجنبية.
وأشار الدكتور كناكرية إلى أن تحقيق عدد كبير من الشركات المساهمة العامة، أرباحا سنوية ونمو أرباح العديد منها بالمقارنة بأرباح الأعوام السابقة، مؤشر آخر على أن الاستثمار في الأردن يحقق عوائد إيجابية.
وأضاف “النتائج السنوية التي أُعلن عنها مؤخراً لصندوق استثمار أموال الضمان الاجتماعي، والتي تظهر نمواً في الدخل الشامل العام الماضي، ووصوله إلى قرابة مليار دينار، وارتفاع موجودات الصندوق لتصل إلى نحو 16 مليار دينار نهاية العام الماضي، والذي يعادل حوالي 40 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي؛ كل ذلك يعكس أن الاقتصاد الوطني ورغم التحديات المتعددة والأوضاع غير المستقرة في المنطقة، حقق ويحقق عوائد ومؤشرات اقتصادية إيجابية.
ولفت الدكتور كناكرية إلى أن الإجراءات الاقتصادية الحكومية المتخذة والمشاريع الاقتصادية التي تقوم بها الحكومة ضمن رؤية التحديث الاقتصادي من شأنها أن تعزز النمو، وتحسن المؤشرات المالية والاقتصادية.
بدوره، قال وزير المالية الأسبق والخبير الاقتصادي الدكتور محمد أبو حمور، إن قدرة الاقتصاد الأردني على التكيف والتأقلم مع مختلف التطورات والأزمات المتعددة تستند إلى معطيات أساسية، أهمها الاستقرار السياسي والأمني الذي تنعم به المملكة، والعلاقات الأردنية المميزة مع مختلف دول العالم والتي أرساها جلالة الملك بفضل ما يتمتع به من احترام وتقدير في مختلف المحافل الدولية.
وأضاف “من المعطيات أيضاً؛ السياسات الحصيفة للبنك المركزي الأردني، والعمل الذي يتواصل لتنفيذ الإصلاحات في مختلف المجالات والمستند إلى رؤى الإصلاح الشامل السياسي والاقتصادي والإداري، إضافة إلى دور رجال الأعمال الأردنيين وما يمثلونه من خبرة ودراية في التعامل مع مختلف الأزمات والمعطيات المختلفة اقليمياً وعالمياً”.
ولفت إلى أن اقتصاد المملكة حافظ خلال العام الماضي على نسب تضخم متدنية تقل عن 2 بالمئة رغم موجة التضخم الجامحة التي شهدتها العديد من دول المنطقة، بفضل مواكبة البنك المركزي، التطورات الإقليمية والعالمية المتعلقة بسعر الفائدة، بالإضافة إلى السياسات الحصيفة للبنك المركزي الأردني، التي حافظت على استقرار الأسعار وعلى ثبات سعر صرف الدينار، وبنت احتياطيات من العملات الأجنبية تزيد عن 21 مليار دولار، ومتّنت الجهاز المصرفي، وأضفت جاذبية على الودائع بالدينار الأردني.
وأكد أنه وفي ضوء مرونة وصلابة الاقتصاد الأردني ومواصلة تنفيذ الإصلاحات؛ رفعت مؤسسات التصنيف الدولية التصنيف الائتماني للأردن خلال العام الماضي، واستمر العمل ببرنامج الإصلاح المالي والاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، مما يدلل على أن الاقتصاد الأردني أثبت قدرته على مواجهة الصعوبات والتأقلم معها.
من جانبه قال رئيس جمعية مستثمري شرق عمان الصناعية، الدكتور إياد أبو حلتم، إن الاقتصاد الوطني يوصف بأنه اقتصاد صلب، ومرن ويمكنه تجاوز الصدمات.
وأضاف الدكتور أبو حلتم إن هناك مكامن قوة في اقتصادنا الوطني، من أهمها الاستقرار السياسي، والتصنيف الائتماني المرتفع، الذي يعود للقدرة والكفاءة الإدارية النقدية، المتمثلة بسياسات البنك المركزي.
وأوضح أن السياسة النقدية الأردنية، حصيفة منذ تسعينيات القرن الماضي، والتي حافظت على استقرار سعر صرف الدينار، وارتفاع احتياطيات العملة الأجنبية لأكثر من 22 مليار دولار، وهي قيمة غير مسبوقة في تاريخ المملكة.
وأشار إلى تمتع الأردن بعلاقات اقتصادية وتجارية ثابتة وراسخة، مع كتل اقتصادية ضخمة كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي، والمنطقة العربية، ووجود اتفاقيات تجارة حرة مع العديد من الدول، مثل كندا وسنغافورة وغيرها.
ولفت إلى أن هذه العلاقات الاقتصادية المتينة، رفعت قيمة الصادرات من نحو 1.5 مليار دينار، في بدايات القرن الحالي، إلى قرابة 9 مليارات دينار في الوقت الحالي سنوياً.
وأكد أن كل تلك العوامل مجتمعة، حافظت على وتيرة نمو أعلى من معدل بعض الدول العربية، رغم وجود حالة عدم استقرار في المنطقة، أثرت بدورها على التدفقات الاستثمارية للأردن، مبيناً أنها من أهم مكونات النمو بالإضافة للصادرات.
وبين أن الأردن يصدر أكثر من 1400 سلعة إلى أكثر من 150 سوقاً حول العالم، مما يدلل على تنوع السلع والقدرة على بناء علاقات تجارية متميزة، ووجود ثروة بشرية مثالية لزيادة الإنتاجية.
بدوره، قال الباحث الاقتصادي الدكتور أحمد المجالي، “رغم العواصف السياسية والاقتصادية التي ضربت المنطقة خلال العقدين الماضيين، استطاع الاقتصاد الوطني التكيّف مع هذه التحديات وتجاوز صدماتها، محققًا معدلات نمو مقبولة مقارنةً بالاضطرابات المحيطة”.
وأضاف المجالي إن الأردن يتميز ببنية اقتصادية مرنة تعتمد على قطاعات حيوية، مثل الخدمات المالية، والسياحة، والتكنولوجيا، والصناعات التحويلية، والتي أثبتت قدرتها على التكيّف السريع مع الأزمات، بالإضافة إلى تماسك القطاع المصرفي الأردني، مستفيدًا من سياسات رقابية صارمة وضعها البنك المركزي الأردني، مما جعله قادرًا على امتصاص التقلبات المالية العالمية والإقليمية.
واعتبر أنه “لا يمكن إنكار دور السياسات الاقتصادية التي اعتمدتها الحكومة في تعزيز القدرة على التكيّف، فعلى مدار السنوات الماضية، انتهجت الدولة استراتيجية تجمع بين ضبط العجز المالي وترشيد الإنفاق، وبين تحفيز النمو من خلال الاستثمار في البنية التحتية، والشراكة مع القطاع الخاص، وتطوير بيئة الأعمال لاستقطاب الاستثمارات الأجنبية”، مشيرا إلى أن برامج الإصلاح المالي لعبت دورًا مهمًا في الحفاظ على استقرار الدين العام وإدارة النفقات بكفاءة، رغم الظروف الاقتصادية الصعبة.
وأوضح المجالي أن صلابة الاقتصاد وحدها لم تكن كافية، فلولا التدخلات المدروسة من قبل صانعي القرار، لكان تأثر الأردن بالأزمات الإقليمية أكبر بكثير، مبينا أن نجاح السياسات لا يعني بالضرورة أنها خالية من التحديات، إذ لا تزال هناك تحديات هيكلية، مثل معدلات البطالة المرتفعة، وكلفة الطاقة، وضعف الإنتاجية في بعض القطاعات، والتي تحتاج إلى إصلاحات أكثر عمقًا لضمان استدامة النمو.
من جانبه، قال الخبير والمحلل الاقتصادي حسام عايش، أن الاقتصاد الوطني وبالرغم من تحديات المنطقة يحقق نمواً ويستمر في هذا النمو، رغم أنه أقل من ما هو مطلوب، لكنه نمو يكاد يكون مستقرا وثابتا وكثيرا ما يعاود نشاطه بعد أن يستوعب كل هذه التداعيات.
وأضاف عايش إن الاقتصاد الوطني قادر على أن يعود من جديد لينمو ويحقق معدلات نمو تبدو منخفضة؛ إلا أنها في الواقع أكبر حتى من معدلات نمو مقارنة باقتصاديات أخرى مشابهة.
وتابع “إذا أخذنا نظرنا إلى الأداء الاقتصادي وقارناه مع حاجات الأردنيين وتطلعاتهم ومع تراكم خبراتهم ومع الإمكانيات الكامنة في الاقتصاد؛ نرى أن معدلات نموه الاقتصادي أقل من ما يفترض أن تكون علي وأنها لا تحقق النتائج التي يفترض أن تصل إليها على مستوى العائد الاقتصادي المالي، والمعيشي للمواطنين، لكنها مع ذلك تظل أفضل من حالات اقتصادية أخرى”.
وأكد أن الاستقرار المالي والنقدي الذي يمثل يعني حالة استثنائية في المنطقة، كأحد العناوين المهمة وأحد الاستثناءات القليلة ربما في المنطقة لاقتصاد صغير، إذا ما قورن بالاقتصاديات وبحجمها في دول المنطقة المحيطة، إذ إنه يعاود أداءه ونموه ونشاطه.
وأشار إلى وجود بعض القيود التنظيمية، التي تؤثر على الأداء وإنجاز الأعمال، التي توجه النظر نحو المديونية والضرائب، من إجل إدامة الحركة الاقتصادية، مما يؤثر في النتيجة النهائية على الأداء الاقتصادي وضغط عليه.
وأكد عايش أن وجود سياسات اقتصادية حصيفة، ساهم في توفير بيئة مصرفية آمنة ومتصاعدة النمو، مشيراً إلى أن حالة الأمن والاستقرار والتكيف والمرونة التي يتمتع بها الاقتصاد الوطني، تُعطي له أفضلية في استمرار النمو.
ولفت إلى أن استثمار القدرات الكامنة في الاقتصاد الأردني، يعطيها يمة مضافة كبيرة لعملية اقتصادية أكبر وأوسع وأشمل، وبالذات لجهة فرص العمل، ورفع مستوى الإنتاجية، وتقليل الهدر، وزيادة الصادرات، وتقليل العجز في الميزان التجاري.
(بترا – وعد ربابعة وعائشة عناني)