0020
0020
previous arrow
next arrow

نواصل الهروب إلى الأمام

 

 

وكالة الناس – هند السليم 

الهروب إلى الأمام لا يحدث عادة في الظروف العادية، وإنما في الظروف الصعبة والإستثنائية، وقد يحدث بالكثير من الأحيان بسبب الإحباط وقلة الحيلة لدى الأشخاص الذين ليست لديهم الجرأة بالتراجع للخلف، و بالكثير من الأحيان يكون أكثر تكلفة من التراجع؛ سواء على مستوى الأفكار والمشاعر أو على مستوى السلوك.

في الحقيقة … الهروب إلى الأمام وجهان لعملة واحدة، الهدف منه الهروب من الواقع المُّر والمؤلم غالباً، فنحن لا نملك الجرأة الكافية التي تساعدنا للإعتراف بمشاكلنا ومحاولة حلها، نحب الصراع و لا نبحث عن لذة السلام الداخلي، وهذا النوع من الهروب مؤلم، مستنزف وطاحن، و يحول الهارب إلى كائن ضئيل متآكل، لا يرى لا يسمع لا يشعر ولا يستمتع …. فقط يهرب.

سياسة الهروب إلى الأمام، من أهم السياسات التي تلجأ لها الحكومات لمواجهة أزماتها وعجزها وفشلها ومشاكلها الداخلية، وذلك بدلاً من أن تقف مع نفسها بجدية لمعالجة القضايا والأزمات العالقة … “أنها تراهن على الوقت والأحداث والمتغيرات الإقليمية والدولية”، وعندما تقرر أي حكومة اللجوء هذه السياسة فلا يهمها ما يترتب على ذلك من إستنزاف وإهدار لقدرات وطاقات شعوبها، مهما كان ذلك الإستنزاف عشوائياً وجائراً، ومهما ترتب على ذلك من معاناة وكوارث ومآسي.

حيث أن الهدف الأساسي للمرحلة الحالية هو إرضاخ العالم اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وهو المحور الرئيس وقد تحقق جزء منه بتسريع التفكير بالأحداث المستقبلية فنرى الطريق مغلق ولا مفر إلا … الهروب، وهذا كله من منتجات جائحة كورونا البشعة؛ التي عادت على الشعوب بالسلبية التي نحن عليها الآن.

عزيزي القارئ لو نظرت “نظرة سريعة” على أرشيف حياتك قبل ثلاث سنوات تكتشف أنك إنسان آخر، لا تشبه نفسك الآن أبداً، فقد أصبحنا نمضي دون أن ننظر خلفنا بعد ما تحملنا حتى عجز الاحتمال من نفسه وصبرنا حتى نفذ الصبر واستهلك قوتنا، ولم نعد نفكر بما مضى أو بما نحن عليه الآن، بل نجمد تفكيرنا بما سيحدث غداً، ترقب … توقعات … تخيلات.

وبهذه المرحلة نعتقد أننا نحاول حل النزاعات مع المواقف التي تبدو حاسمة؛ لكن في الواقع، لا نفعل شيئاً إلا تأجيل اللحظة التي ليس لدينا فيها خيار سوى تغيير المسار وتجاوز المخاوف … “باختصار” الهروب لا يحل المشكلة وإنما يؤجلها فقط.

وفي النهاية إن وجود حياة بلا مشاكل هو أمر مستحيل، بل قد يكون مملاً، ولكن يجب أن نعرف كيف نتعامل مع مشاكلنا لا أن ندمر ذواتنا بالهروب، ويجب أن نصنع مجداً يليق بكل العثرات التي سبقت … فنحن فئة لا تستسلم.