“الأولى عربياً بهذا المنصب” امرأة تونسية على رأس الحكومة
وكالة الناس – في خطوة غير متوقعة، وغير مسبوقة، في تاريخ تونس والعالم العربي، أصدر الرئيس قيس سعيد، الأربعاء، قرارا بتكليف السيدة نجلاء بودن، بتشكيل الحكومة، بعد فترة «بحث ودراسة ومتابعة» طويلة منذ قرارات 25 يوليو/تموز الماضي، بإقالة حكومة هشام المشيسي، وتجميد «برلمان الغنوشي» وإعلان تدابير استثنائية فجرت جدلا سياسيا وشعبيا واسعا داخل تونس.
وتؤكد الدوائر السياسية في تونس، أن تعيين رئيسة للحكومة يأتي في إطار أولى الخطوات ضمن خارطة الطريق عقب القرارات الاستثنائية، التي أعلنها الرئيس قيس سعيد، وأن اختياره اليوم من يقوم بتشكيل الحكومة يكشف عن نقاط ومؤشرات مهمة
أولها: أن الرئيس سعيد لا يدير شؤون البلاد متسرعا، وهو أيضا ليس انفعاليا، وقضى تلك الفترة (أكثر من شهرين) يتابع ويدرس الشخصيات التي يكلفها بتشكيل الحكومة حتى يكون اختياره مسؤولا.
وثانيا: «ضرب الرئيس سعيد» كل التوقعات التي أثيرت وطرحت أسماء مرشحة لرئاسة الحكومة مثل (محافظ البنك المركزي، مروان العباسي.. ووزيري المالية السابقين حكيم حمودة ونزار ، ووزير الداخلية السابق توفيق شرف الدين) باعتبارهم من بين المرشحين البارزين لشغل المنصب، وخلافا لكل ما قيل من توقعات وتصريحات نسبت لمصادر مسؤولة، فاجأ الرئيس سعيد المجتمع التونسي بتعيين امرأة لأول مرة في تاريخ تونس.
ثالثا: ورغم الجدل الدائر حول الترتيبات الاستثنائية، التي طالت 64 يوما، كان الرئيس التونسي متمسكا برؤيته لتصحيح الأوضاع في تونس، وكشف أنه لا يتصرف بعشوائية على حساب الوطن وبالتالي لا يلتفت إلى المنتقدين «المتسرعين» طالما يضع هدف مصلحة الوطن فوق أي اعتبارات أخرى.
وهو ما اتضح من خلال كلمته للسيدة بودن مع قرار التكليف قائلا: “إن تونس تعيش في ظل التدابير الاستثنائية خاصة في ظل الأعوام الأخيرة”، وأضاف: “وما تعرفينه من أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية قررنا تكليفك بتشكيل الحكومة الجديدة وسيكون هذا لأول مرة في تاريخ تونس امرأة تتولى رئاسة حكومة حتى نهاية هذه التدابير الاستثنائية”.
أي أنها تتولى رئاسة الحكومة في فترة زمنية هامة حتى تنتهي التدابير الاستثنائة وتستقر الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية
رابعا: وبحسب مصادر مقربة من قصر قرطاج الرئاسي، فإن الرئيس قيس سعيد قضى الأيام الماضية متابعا للسيرة الذاتية للسيدة نجلاء بودن (63 عاما) ولفت انتباه الرئيس وعي السيدة بودن بما يجري في تونس ومواقفها ضد الفساد والمفسدين ولم تنتم لأي «أيديلوجيا» حزب سياسي، سوى لتونس الوطن فقط.
من هي السيدة نجلاء بودن؟
وهي أكاديمية بارزة، أستاذة تعليم عالي في المدرسة الوطنية للمهندسين بتونس مختصّة في علوم الجيولوجيا ومتحصلة على شهادة الدكتوراه في الجيولوجيا سنة 1987 من المدرسة الوطنية العليا للمناجم بباريس، تشغل حاليا وظيفة «مكلفة بتنفيذ برامج البنك الدولي» بوزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وتمّ تعيينها مديرة عامة مكلفة بالجودة بوزارة التعليم العالي سنة 2011.كما شغلت منصب رئيسة وحدة تصرف بحسب الأهداف لإنجاز مشروع إصلاح التعليم العالي ، وهي من مواليد 1958 بولاية القيروان.
تونس تعيش على وقع «لحظتين» سياسيتين
ويرى المحلل السياسي التونسي، حسان العيادي، أن البلاد تعيش اليوم على وقع «لحظتين» سياسيتين، الأولى هي الخامس والعشرين من يوليو/ تموز، تاريخ تفعيل الفصل 80 من دستور 2014، والثانية هي الثاني والعشرين من سبتمبر/ أيلول، تاريخ صدور الأمر الرئاسي رقم 117 المتعلق بالتدابير الاستثنائية.
وهاتان اللحظتان متصلتان متجانستان لدى الرئيس، وهو الفاعل السياسي الأول في البلاد اليوم وصاحب اليد العليا في شؤون الحكم والمعلن عن بداية زمن سياسي جديد، يرى في 22 سبتمبر/ أيلول 2021 استكمالا لـ25 يوليو/ تموز 2021 والذي بدوره عودة على بدء بهدف استكمال الثورة التي وقعت «خيانتها» في 14 يناير/كانون الثاني 2011 وفق الرئيس.
هذا يجعلنا ندرك أن سعيد يتحرك من مقاربة تفصّل الزمن وتجزئه إلى لحظات سياسية، قام بالأولى في 25 يوليو/تموز بعد أن تيقن من «أن اللحظة أتت»، بحسب تعبير العيادي، وأن الشارع ومكونات سياسية واجتماعية هامة ستقف في صفه أو على الأقل ستتخذ موقفا لا يعارض صراحة خطوة تفعيله للفصل 80 من الدستور وتنزيله وفق قراءة توسيعية حمّلت الفصل الكثير من التأويل وتجزئة الزمن الى لحظات سياسية يقر بها الرئيس.