0020
moasem
002
003
004
005
006
007
008
previous arrow
next arrow

نتنياهو وإيران يجرّان بايدن لنزاع لا يريده

 

 

وكالة الناس – في مقال مشترك لكل من دانيال كيرتزر، السفير الأمريكي السابق في مصر وإسرائيل، والمحاضر حاليا بجامعة برنستون، وآرون ديفيد ميلر، من وقفية كارنيغي للسلام العالمي، والمسؤول السابق في الخارجية الأمريكية والمفاوض في محادثات السلام الإسرائيلية- الفلسطينية، وستيفن سيمون، أستاذ العلاقات الدولية بكلية كولبي والمحلل بمعهد كوينسي، قالوا إن إسرائيل وإيران تجرّان الولايات المتحدة نحو النزاع.

وقالوا في مقالهم المنشور بموقع مجلة “فورين أفيرز” إن الطريقة الوحيدة لوقف التصعيد هي الدبلوماسية، فمع أن إسرائيل وإيران لم تصلا بعد إلى درجة تصعيد كبرى أو حرب، إلا أن تقدم المحادثات مع إيران في فيينا قد يحبط إحداهما، لو اعتقدت إسرائيل أن مواصلتها محاولات تقويض المحادثات ستؤثر سلبا على علاقاتها مع واشنطن.

إلا أن العوامل التي قد تؤدي إلى انفجار مهم أصبحت تتقارب بطريقة مخيفة. فالانفجار بمفاعل نطنز الإيراني في 11 نيسان/ أبريل والمفترض أنه عمل إسرائيلي كان مواصلة لحرب الظل ضد البرنامج النووي الإيراني وتتويجا لها. وكردٍ على الهجوم، قررت إيران زيادة معدلات تخصيب اليورانيوم، وتبع ذلك سقوط صاروخ أطلق من سوريا في 22 نيسان/ أبريل قرب مفاعل ديمونا، وردت إسرائيل بضرب مصدر إطلاق الصاروخ. ويُخشى أن تؤدي هذه السلسلة من الأحداث، وبدون قصد إلى نزاع مفتوح.

وعبّرت إدارة جوزيف بايدن المنشغلة بالسياسات المحلية عن رغبة بالعودة من جديد إلى الاتفاق النووي الموقع عام 2015، ولكنها ليست في عجلة من أمرها. غير أنها قد تجد نفسها بدون دبلوماسية مكثفة، تهدف إلى ضبط كل من إسرائيل وإيران وسط نزاع لا تريده وسيقوض أولويات سياستها في الداخل.

وتظل إيران كما قالت أفريل هينز، مديرة الاستخبارات الوطنية أثناء إيجاز للكونغرس في 14 نيسان/ أبريل، واحدة من أربع تهديدات تواجه الولايات المتحدة. وأضافت: “نتوقع اتخاذ إيران خطوات ستزيد من التوتر وتهدد مصالح الولايات المتحدة وحلفائها”. وينبع هذا التقييم من حالة الإحباط التي تواجهها إيران في الداخل والخارج. فقد دمرت العقوبات اقتصاد إيران، وزادت حالات كوفيد-19، وأدت مطالبها القصوى برفع العقوبات بما يتناسب مع الاتفاق، إلى تأجيل أي تحرك نحو تخفيف العقوبات عنها.

وحتى هذا الوقت، حاولت طهران تجنب المواجهة في الرد على الغارات الأمريكية والإسرائيلية، ومقتل عالم ذرة إيراني، وعمليات تخريب في المنشآت النووية.  إلا أن هذا الموقف قد يتغير، فقد يدفعها الإحباط من عدم حصول تقدم في رفع العقوبات وارتباكها بسبب سهولة اختراق إسرائيل لأمنها الداخلي، إلى المخاطرة كما فعلت عام 1996 عندما ضربت قاعدة عسكرية في السعودية، وعام 2019 عندما استهدفت المنشآت النفطية في المملكة. وكان قرار طهران البدء بتخصيب اليورانيوم بنسبة 60% دليلا واضحا على قدرة البلد في الوصول إلى 90% وهو المستوى المطلوب للأسلحة النووية، بسرعة. وهذا لا يعني قدرة إيران على تصنيع القنبلة على الفور حتى لو أرادت.

وفي حالة فشل المحادثات، فقد تتحرك إيران للأمام وبأجهزة طرد مركزي لإنتاج مواد انشطارية للسلاح النووي. وأصدرت الحكومة الإسرائيلية تحذيرات صارخة من أن العودة إلى الاتفاق النووي بدون تغيير لن يتم التسامح معه. ولو عادت الولايات المتحدة وإيران للالتزام بناء على هذه الظروف، فستقوم إسرائيل عاجلا أم آجلا باستخدام القوة العسكرية لمنع إيران من تحويل اليورانيوم المخصب إلى سلاح، مما سيجر الولايات المتحدة إلى نزاع.

ويعتقد الباحثون أن بايدن أخطأ عندما وعد أثناء حملته الانتخابية بالعودة السريعة إلى الصفقة مع إيران، ذلك أنه يواجه مشكلة كبيرة في دفع التعافي الاقتصادي لم تواجه رئيسا منذ فرانكلين روزفلت، بالإضافة لأولويات محلية. وتعقّد السياسات التي تبناها دونالد ترامب عملية العودة للاتفاق النووي، حيث عاقب إيران بناء على حقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب. ولأن هذه ليست مضمنة في الصفقة السابقة، فستظل قائمةً حتى بالعودة إليها.

ولكن إيران تطالب بشطب كل هذه العقوبات قبل العودة للالتزام بمبادئ الصفقة السابقة. ولا يوجد في واشنطن من يدعم الاتفاق الأصلي من الجمهوريين وحتى بعض الديمقراطيين الذين يعارضون بعضا من ملامحه. وبضم هذه العوامل لضرورة الحفاظ على الرأسمال السياسي الذي تحتاجه الإدارة لسياستها المحلية، فإن بايدن بات حذرا ويبتعد عن المخاطر المتعلقة بتطورات البرنامج النووي الإيراني.

ويعتقد الباحثون أن التصعيد الإسرائيلي ضد إيران يعكس قلق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأمني وعدم ثقته المتزايدة بأمريكا. فهو لا يؤمن بأن الولايات المتحدة تفهم بشكل كامل التهديد النووي الإيراني وبرامجها من الصواريخ الباليستية ودعمها للإرهاب وما يمثله هذا من تهديد على الدولة العبرية. ويعتقد نتنياهو أن العقوبات التي فرضها ترامب على إيران بعد رفضه الاتفاق النووي يجب أن تظل باقية، ومنحها الوقت الكافي كي تترك أثرها على طريقة اتخاذ القرار السياسي في إيران. ولو عادت الولايات المتحدة للاتفاق بدون تغييره لمعالجة الصواريخ الباليستية ونشاطات إيران في المنطقة، فستجد إسرائيل نفسها في موقف لا يمكن الدفاع عنه.

ولدى نتنياهو اعتقاد بقدرة إسرائيل على معاجلة الأمور بنفسها، فعلى خلاف السنين الماضية عندما قيّد الجيش حركته، يتمتع نتنياهو بدعم رئيس هيئة الأركان المتشدد أفيف كوخافي، كما أن قدرات إسرائيل بالمقارنة مع إيران باتت متقدمة أكثر. وأمّنت إسرائيل رحلات جوية فوق السعودية ودول الخليج، وطلبت ناقلات نفط محسنة من الولايات المتحدة، مما يعطي الطيران الإسرائيلي القدرة على التحليق في طلعات جوية طويلة المدى لضرب أهداف في إيران.

ولدى إسرائيل منافذ على القواعد العسكرية في الإمارات للقيام بعمليات المراقبة والهجوم على الجانب الآخر من الخليج. وقد يجد نتنياهو في خيار التصعيد مع إيران مهربا من مشاكله الداخلية، مثل محاكمات الفساد والانسداد السياسي. وفي الوقت الذي لن يدخل فيه نتنياهو الحرب كي يتجنب المشاكل الداخلية، لكن الرأي العام سيقف مع زعيم حرب مما يعني تأجيل الانتخابات وانضمام المعارضة له في حكومة وحدة وطنية.

وفي أمريكا لا يوجد لدى إدارة بايدن خيارات كثيرة لمنع نتنياهو من التصعيد. فهو يعرف كيفية التعامل مع واشنطن، فلديه أنصار في الحزبين الجمهوري والديمقراطي، كما وقدّر أن إدارة بايدن لن تخاطر بأجندتها التشريعية المحلية عبر افتعال خلاف مع إسرائيل.

ومن هنا فالخيار الوحيد لردع نتنياهو عن طريق الحرب هو الرفض له والدبلوماسية. وعلى واشنطن التأكيد لنتنياهو أن مواصلة التصعيد ضد إيران يضر بالعلاقات مع أمريكا وأنها لن تتراجع عن نهجها. وفي السياق نفسه، على واشنطن إبلاغ بقية الموقعين على الاتفاق بضرورة إخبار إيران أن أفعالها الاستفزازية ومطالبها غير المنطقية في محادثات فيينا تعني عدم العودة الكاملة.

وعليه، فدبلوماسية قوية وموقف متشدد، قد يمنعان الانزلاق والتصعيد المستمر بين إيران وإسرائيل.

وفي الوقت الحالي، استقر الوضع بين إسرائيل وإيران، ولو مؤقتا، على حرب ذات وتيرة منخفضة تتقدم فيها إيران بمشروعها النووي خطوتين، ثم تعيده إسرائيل خطوة للوراء. وبدون أي كابح على سياستها، ستواصل إسرائيل حملة الاغتيالات والهجمات الإلكترونية والتفجيرات كي تعرقل البرنامج النووي الإيراني، وتحبط الجهود الأمريكية للعودة إلى الصفقة، وتقنع الإيرانيين بعدم الالتزام بها. وستواصل إسرائيل بناء قدراتها العسكرية المتقدمة في الوقت نفسه.

إلا أن السيناريو الذي سينتج عن هذه المواجهة المتدنية سيكون قبيحا، لأن الحرب الإسرائيلية على البرنامج النووي الإيراني قد تطول وتقود لعدم استقرار، أو أنها تحاول استفزاز طهران للرد كمبرر لضرب المفاعل النووي. ولكن استراتيجية البلدين ليست ذكية بقدر كبير، أو كما يتخيلها كل طرف. ففي أيلول/ سبتمبر 2019، ضربت إيران المنشآت النفطية السعودية وأوقفت إنتاج النفط في دقائق. ولا أحد يعرف أي من الضربات التي توجهها إسرائيل لطهران ستستفزها على الرد. كما لا يعرف أحد أي مستوى من التخصيب النووي أو مراكمة المواد الإنشطارية ستدفع إسرائيل للهجوم الشامل على إيران. وستجد أمريكا نفسها وسط حرب لا تريدها، وفي وقت ومكان ليس باختيارها. ومن هنا، فيجب على إدارة بايدن اتخاذ القرار الحاسم وعدم انتظار تأمين أجندتها المحلية، ذلك أن الوضع الهش لن يدوم.

ويمكن للولايات المتحدة زيادة الضغط الآن على أمل أن تداعيات المواجهة السياسية مع إسرائيل والدبلوماسية القوية مع إيران يمكن التحكم بها على المدى القريب، وأفضل من حرب في السنوات المقبلة.  وسيزور في هذا الأسبوع أهم مسؤولي الأمن الإسرائيليين -مستشار الأمن القومي ومدير الإستخبارات العسكرية ورئيس الموساد- واشنطن للتباحث في موضوع إيران وسط مظاهر قلق أن آراء إسرائيل من المواجهة لا تفهم بطريقة جيدة.

وطُلب من المسؤولين ألا يتحدثوا عن تفاصيل المفاوضات في فيينا، حسبما أوردت الصحافة الإسرائيلية. ولكن الحكومة الإسرائيلية تواصل استراتيجيتها الخاصة وتعمل مع الإدارة الأمريكية لتحقيق أغراض متعارضة مع تلك الأهداف التي تراها الإدارة مهمة للتماسك المحلي واستقرار الشرق الأوسط.

ومن هنا فحملة نتنياهو الحالية ستطيل من معاركه مع الديمقراطيين، وتقوض التعاون الذي ميّز العلاقة والتحالف بين البلدين. وربما لم تكن مصالح أمريكا وإسرائيل متطابقة، ولدى رئيس الوزراء الإسرائيلي واجب للحفاظ على أمن بلده وكذا الرئيس الأمريكي. وفي حالة المد والجزر في العلاقات الدولية، عادة ما لا تكون اللحظات مهمة واضحة، إلا أن الأزمة التي تدفع بها الحكومة الإسرائيلية، ربما كانت واحدة منها.