الرواشدة يكتب .. رحلة الأباء والأجداد … عُمرة يؤديها عبد الله وحمزة الحويطات عن روح الملك الحسين رحمه الله

كتب. الدكتور هاشم الرواشدة 

في مشهد يعيد للذاكرة أمجاد السالفين، خرج شابان من أبناء قبيلة الحويطات العريقة، القبيلة التي تسكن محافظة معان بجنوب الأردن القبيلة التي عُرفت عبر التاريخ بالكرم والشجاعة والنخوة وإكرام الضيف، ممتطين الهجن متوجهين إلى الديار المقدسة لأداء العمرة على نهج الآباء والأجداد عن روح الملك المغفور له الحسين بن طلال. كانت الهجن تشقّ طريقها بثبات عبر رمال الصحراء، والرجال يعتلون سروجها بثقة وإباء، وكأن الزمن عاد بهم إلى أيام الرعيل الأول حين كانت الطرقات لا تُقطع إلا على ظهور الإبل، وكانت الرحلة في ذاتها مظهراً من مظاهر الإيمان والعزيمة والرجولة.
وقد حظي هؤلاء الشباب بوداع يليق بما أقدموا عليه؛ فاجتمع الأهل والأقارب من أبناء القبيلة في مشهد مهيب، يتوسطه الدعاء ويغمره الفخر. ارتفعت الأصوات بالتهليل، وترددت كلمات التشجيع، وتعانقت النظرات بما تحمله من معاني الاعتزاز. ولم يكن ذلك مجرد وداع لرحلة، بل كان احتفالاً بعودة الروح إلى نمط أصيل من الحياة، يجسد ارتباط الإنسان بأرضه وقيمه وأصالة آبائه.
ومما زاد الرحلة مهابة وجلالاً مظاهر الاستقبال اللافتة للأنظار التي توالت من أبناء القبائل السعودية، ومنها: بنو عطية، وبلي، وعنزة، وجهينة، وغيرها، حيث خرجوا لاستقبال هؤلاء النفر من شباب الأردن بمواكب من السيارات والإبل، ووقفوا لهم احتراماً، واحتفوا بهم تقديراً، في مشهد يختصر عمق الصلة بين القبائل على جانبي الحدود.
لقد أثبتت هذه المناسبة بما لا يدع مجالاً للشك أن ما يفصل بين القبائل الأردنية والسعودية ليس سوى المحرّمات، وأنها تسير على نهج قبلي راسخ، يتسم بالمروءة والطيب والكرم وتوارث القيم الأصيلة.
وما إن وصلت الهجن إلى مضارب القبائل حتى دوّى الهجيني يشق فضاء الفيافي، وقد صدحت به حناجر تربت على الرجولة والفخار. وكلمات ترحيب كانت تلامس القلوب قبل الآذان، وتوقظ في النفس مشاعر الفخر والاعتزاز. وكيف لا؟
فـ “شوفة الهجن تشفي كل نفس عليلة”، وهي مشاهد لا تُنسى، لأنها تجمع بين أصالة الماضي وبهاء الحاضر.
إن هذه الخصال الحميدة ليست غريبة على أبناء قبائل المملكة العربية السعودية العريقة، فهم الامتداد والسند لإخوانهم من أبناء القبائل الأردنية، كما أن أبناء القبائل الأردنية هم السند والامتداد لإخوانهم من أبناء القبائل السعودية. إنها روابط دم وأرض وتاريخ ومروءة، لا تزول بتغير الزمان، ولا يبددها تباعد المسافات.
أدام الله على قبائلنا العربية الأصيلة وافر الخير والعز والمسرّات، وحفظ لهذه الأمة رجالها الذين لا يزالون يحيون الموروث، ويثبتون أن الأصالة ليست مجرد حكاية تُروى، بل هي فعل يُعاش، وقيم تُحمل، وطريق يُسار فيه بثبات وإيمان.