عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

د . العجلوني يكتب .. اشهار كتابي الأول

كتب د. يوسف العجلوني

عندما توجهت إلى قاعة الاشهار، شعرت بأنني ذاهب إلى امتحان وتذكرت كل مقال، وكل كلمة كتبتها في هذا الكتاب، وكنت جاهزاَ لمناقشتها مع لجنة الاشهار بكل ما تعنيه، بعقلي وقلبي.

وعندما دخلت إلى قاعة الاشهار، وبدأ التصفيق، أخذت لمحة دون تركيز إلى الحضور، ورأيت من بينهم أخواني وعزوتي وأحبابي وأصدقائي، شعرت بهيبة المكان، ولم أستطع تحمل الموقف، ولا نظرات الحضور، التي كان يملأها الفخر والمحبة والقرب.

هنا شعرت وكأن أبي يجلس بين الحضور، يراني ويراقب خطواتي، وأنا أصعد درجات منصة الإشهار، وخطر ببالي كل ما تضمنه كتابي من معانٍ،، ولماذا سميته “علمتني الحياة، خبرتي وشعوري”،، ووجدت أنني أعرف ولا أعرف، وبلحظة نسيت كلمات الكتاب، وعنوانه، ووجدت أن الحياة لازالت تعلمني، وإنني لازلت طالباً في صف صغير، في جزء جانبي من زاوية معتمة من مدرسة الحياة.

حينها فاض شعوري، وزاد تدفق الدم إلى قلبي، وغابت نفسي عن أي شعور أو رغبة مادية، ولم يبقى في نفسي أي معنى أو أهمية للنجاح أو الإنجاز، وكان كل ما تبقى لدي هو شعور واحد؛ أين أبي وأمي؟ وخطر ببالي مقالين من كتابي، الأول: “هذا بفضلك يا أبي” والثاني: “ماذا بعد موت أمي؟ وسألت نفسي : أين أبي وأمي؟ وأين أنا منهما ؟ وبالكاد تيقنت أنهما الآن في مكان لا يستطيع إحضارهما إشهار جميع الكتب في هذه الدنيا، ولن يعبر عنهما أي كلام، ولا شعور ولا خبرة الحياة كلها ولا تعليمها.

خفت أن أفقد الوعي، وخفت أن لا أستطيع إكمال حفل الاشهار لكتاب ابن أبو علي، يوسف، وفكرت في الخروج من الحفل، ولحظتها أدركت أن يوسف هو أنا، ولا يجوز أن يخرج يوسف من هذا الصف في هذه المدرسة الآن، ويجب أن يبدأ هذا الدرس، ويتعلم يوسف شيئاً جديداً في هذه الحياة، درس فيه كل المعاني، وكثير من العواطف، درس يظهر للمعظم أنه سهل، ولكنه لمن يريد أن يفهمه غاية في الصعوبة، درس له تلاميذه، ولا يستطيع أي معلم، أو أستاذ أن يقوم بتعليمه مهما كانت خبرته وشعوره، أو ما علمته الحياة له.

أبي كنت الدرع الواقي، واليد الممدودة، والخير والكرم، القائد والقدوة والمثل الأعلى، المرشد والناصح، الشدة والحزم، الرفق والتسامح، والإيثار والتضحية، السند والعزوة.
والدي أين أنت؟ الرجل العظيم الذي أوصلني لهذا المجد، ذهب وبقي اسمه وخيره يعطيني عنواناً وطريقاً، لم ينتظر لأعترف له بفضله وحبه لي.
ألم الفراق والشوق يا أبي يزيد، لم يعد يهمني المال ولا الجاه، انكسر ظهري، لازلت اسمع صوتك يا أبي، أنا الآن أبكي لمواقف أبكتك، وأسير في الحياة بنفس طريقتك، ولا زلت أشعر بدفء يديك، لا أستطيع أن استوعب أنك قد رحلت، أنت ما زلت موجوداً في كل أمور حياتي ووجداني، أحب كل الأماكن التي أحببتها، وأحب الناس الذين كنت تحبهم، وأحب الطعام الذي كنت تحبه، أحب القوة والعزة والشجاعة والكرم والحنكة والدماثة، لأنك أنت من علمني إياها، ولا شيء يستحق أن أتنازل له من بعدك، ولم أنسَ شيئأ أوصيتني به.
يا أبي كم أتمنى لو أستطيع تقبيل رأسك وقدميك. اشتقت لعينيك التي تملأها المحبة والإعجاب والفخر والإنجاز، عندما كنت تنظر إلي، أفتقدك في كل لحظة فرح كنت تتمناها لي. ألم فراقك لا تصفه كلمات ولا دموع ولا حزن. أبي إن كل شيء حصلت عليه، هو كان بفضلك، ولازلت أعيش بخيرك وعزك ، وسوف أنقل فضلك لأبنائي.
أنا طول عمري أعترف بتضحياتك ومعاناتك من أجلي، وكم أحب أن أسمع من أولادي الكلمات التي لازلت أتمنى لو أنني قلتها لك.
عرفت يا أبي من حبي لأولادي كمية الحب الذي كنت تكنه لي. كم من أشياء يا أبي عملتها من أجلي، ولم أكن أفهم معناها، وكنت أتوقع أنه ليس لها داعٍ، ولكنني وجدتها تُظهربعد نظرك وحكمتك ومحبتك لي واهتمامك بي وخوفك علي، وكأنك كنت تعرف ما سوف يحصل لي وماذا يؤلمني، أحبك يا أبي، ولا أخاف الموت من بعدك، لأنه سوف يجمعني بك، وسوف ينقلني إلى المكان الذي أنت فيه الآن، رحمك الله يا أبي.

أمي كنتِ مصدر سعادتي وتفاؤلي وأملي، الآن تيقنت أنه لن يأتي مثلكِ، ولن يُعوض مكانكِ أحدٌ، لن أنساكِ، سامحيني إذا قصرت في حقكِ، أو قلت كلمة أزعجتكِ، أمي أنتِ في قلبي وروحي، وحياتي من بعدكِ غدت بلا لون ولا طعم. رحلتِ يا أمي، ورحل معكِ إحساسي بكل شيء، وتركتِ لي قلباً مليئاً بالأحزان والألم. أكاد أن لا أقتنع بهذه الحياة، وأخاف أن أفقد ثباتي وشعوري، أنتِ يا أمي لم تقبلي يوماً أن تكوني إلا الخير والمحبة والتوفيق بين أولادك والناس، وعشتِ وفارقتِ الحياة بصمت لم أكن أتخيل أنني سأعيش لحظةً واحدةً بدونكِ، كنتِ تملأين قلبي وشعوري بالطمأنينة التي كانت تريح بالي.
أنا أحتاجكِ اليوم وأنا أشهر كتابي يا أمي ولا أجدكِ، إني أراكِ في كل مكان، رحلتِ يا أمي، وتركتِ غصات حنين ووجع في قلبي لا يعلمه إلّا الله، ولن يشعر به أحد مثلي.
لم يعد هناك من ينتظرني كما كنتِ أنتِ تنتظريني، ولا من يسأل عني كما كنتِ انتِ تسألين عني، ولا من يحن علي كما كان قلبك يفيض حناناً، ولا من يحبني كما كنت تحبيني، وأنا حتى هذه اللحظة لا زلت طفلك يا أمي. يحزنني يا أمي فراقكِ دون وداع.
متألم يا امي على كل ثانية مرت في حياتي ولم أستغلها في التعبير عن حبي لكِ، ومتألم على كل عناق أجلته مهما كان السبب، ومتألم على كل كلمة لم أقلها تعبيراً عن مكانتكِ في حياتي.
كل يوم أتمنى لو عشتِ أكثر لتري آثار نعمة الله ونعمتك وخيرك وفضلك علي، كنتُ أتمنى أن تشاهدين ما وصلت إليه، الآن وصلت إلى مرحلة من العمر وتعلمت دروساً وخبرة، ولكن لم تعد صالحة لأطبقها على نفسي، الآن تعلمت أن تأجيل المشاعر معكِ يا أمي إلى الغد قد كان تأجيلاً إلى الأبد، لن أنساكِ أبداً يا أمي، فكل شيء بشعوري وجسمي وكل ما حولي يذكرني فيكِ.

أنا الآن أعترف أنني ألفت هذا الكتاب بأقصى ما استطعت من قدرات، وسميته “علمتني الحياة، خبرتي وشعوري”، واعترف أن هنالك مواقف لن استطيع أن أعبر عنها مما علمتني الحياة، لا بخبرتي ولا بشعوري، وأعترف أن الحياة لازالت تعلمني، وأعترف أنني لازلت غير قادراً على تفسير الكثير من الأحداث، وأحتاج لعقل أكبر، ووعي أكثر لفهم بعض الأمور، وأعترف أنني لازلت لا أستطيع الإيقان بالكثير مما يحدث حولي.