0020
0020
previous arrow
next arrow

قانون الانتخاب رقم (4) لسنة 2022 يكرّس مبدأ سيادة الأمة.

بقلم الدكتور المحامي إبراهيم النوافلة

 

كما لا يمنح نظام الديمقراطية النيابية للشعب أيَّ حقٍّ من الحقوق التي تترتب على الديمقراطية المباشرة كحق الاقتراح الشعبي أو حق الاعتراض الشعبي أو حق الاستفتاء الشعبي، فإن عضو البرلمان يمارس السلطة أثناء الفصل التشريعي بمعزل عن إرادة الشعب، وهذا يعني استقلال النائب عن إرادة الناخب، فإرادة النائب في النظام النيابي مستقلة عن إرادة ناخبه، وبالنتيجة فالنائب ليس وكيلاً إلزاميّاً لناخبيه، فقد هجر الفكر القانوني تلك الوكالة الإلزامية التي كانت سائدة قبل قيام الثورة الفرنسية. ذلك أن النظام النيابي لا يمنح الشعب الحق في حل المجلس أو عزل النائب، وهذا ما تؤكده المادة (90) من الدستور الأردني التي تنص على أنه: “لا يجــوز فصل أحد من عضوية أي من مجلســي الأعيان والنــواب إلا بقرار صادر مــن المجلس الذي هو منتســب إليه، ويشترط فـــي غير حالتي عدم الجمع والســقوط المبينتين فـــي هذا الدستور وبقانون الانتخاب أن يصدر قرار الفصل بأكثرية ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس وإذا كان الفصــل يتعلق بعضو من مجلس الأعيان فـــيرفع قرار المجلس إلى الملك لإقراره”.
والنائب في البرلمان لا يمثل دائرته الانتخابية أو مجموع ناخبيه فقط، بل يمثل الأمة جمعاء، والتي هي (الأمة) مصدر السلطات سنداً لأحكام المادة (24) من الدستور الاردني، فالديمقراطية النيابية تقوم على أساس انتخاب عدد من النواب من قبل الشعب، ويؤلفون في مجموعهم مجلس النواب ويمثلون الجماعة ويتولّون ممارسة السلطة نيابة عنها لمدة محددة.

وسيكون عدد نواب المجلس النيابي العشرين، مائة وثمانية وثلاثون نائبا، وقد قسم المشرع في المادة (8) من قانون الانتخاب رقم (4) لسنة 2022 المملكة الى ثماني عشرة دائرة انتخابية محلية، سيتم انتخاب أعضاءها وفقا لنظام القائمة النسبية المفتوحة، وقد خَصص لها جميعها سبعةً وتسعين مقعدا، مخصصا لمحافظة العاصمة عمان ثلاث دوائر انتخابية بواقع عشرون مقعدا على أن يكون من بين تلك المقاعد مقعدٌ للمرأة في كل دائرة، إضافة الى مقعد للشركس والشيشان ومقعد للمسيحيين على مستوى المحافظة، ولمحافظة اربد دائرتين انتخابيتين بواقع خمسة عشر مقعدا، على أن يكون من بين تلك المقاعد مقعدٌ للمرأة في كل دائرة انتخابية، إضافة الى مقعد للمسيحيين على مستوى المحافظة، وخصص لكل محافظة من باقي المحافظات دائرة انتخابية واحدة بواقع عشرة مقاعد لمحافظة الزرقاء على أن يكون من بين تلك المقاعد مقعدٌ للمرأة في الدائرة الانتخابية، وثمانية مقاعد لكل من محافظتي البلقاء والكرك على أن يكون من بين تلك المقاعد مقعدٌ للمرأة في الدائرة الانتخابية، وأربعة مقاعد لكل من محافظات عجلون وجرش والمفرق ومادبا والطفيلة ومعان، على أن يكون من بين تلك المقاعد مقعدٌ للمرأة في كل دائرة انتخابية، وثلاثة مقاعد لمحافظة العقبة على أن يكون من بينها مقعدٌ للمرأة، أما البدو فقد خصص المشرع لبدو الشمال دائرة انتخابية واحدة تتألف من ثلاثة مقاعد ولبدو الوسط دائرة انتخابية واحدة تتألف من ثلاثة مقاعد ولبدو الجنوب دائرة انتخابية واحدة تتألف من ثلاثة مقاعد على أن يكون من بين تلك المقاعد مقعدٌ للمرأة في كل دائرة انتخابية.
وإلى جانب الدوائر المحلية فقد أخذ المشرع بالدائرة الانتخابية العامة التي سيجري انتخاب أعضائها وفقا لنظام القائمة النسبية المغلقة وتتألف من واحد وأربعين مقعدا على أن يكون من ضمنها مقعدان للمسيحيين كحد أدنى، ومقعد واحد للشركس والشيشان في حده الأدنى. على أن يكون ضمن القائمة امرأة واحدة ضمن المترشحين الثلاثة الأوائل وأخرى ضمن المترشحين الثلاثة الذين يلونهم وشاب يقل عمره عن خمسة وثلاثين عاما ضمن أول خمسة مترشحين.
وقد أجاز المشرع في المادة (4) من القانون للشركسي والشيشاني والمسيحي المقيم في محافظة لم يُخصِّص في دائرتها أو أحد دوائرها الانتخابية مقعدا مخصصا للشركس أو الشيشان أو المسيحيين تقديم طلب خطي لغايات تسجيل اسمه في الجدول الأولي الخاص بأي دائرة انتخابية في محافظة أخرى مخصص لها ذلك المقعد، حتى وإن كانت تلك المحافظة ليست محافظته الأم، فللمسيحي المقيم في محافظة العقبة تقديم الطلب للتسجيل في الجدول الأولي الخاص بدائرة إربد الانتخابية الأولى حتى ولو كانت محافظته الأم هي الكرك. كما أجاز المشرع لكل ناخب الحق في تقديم طلب خطي أو الكتروني لغايات تغيير مركز الاقتراع المحدد له داخل دائرته الانتخابية خلال مدة تحددها التعليمات التنفيذية.
وإذ جرى المشرع الأردني في قانون الانتخاب رقم (4) لسنة 2022 على هذا النهج، فإنه ليكون قد رسّخ ركناً أساساً من أركان الديمقراطية النيابية ألا وهو أن النائب في البرلمان يمثل الأمة جمعاء ولا يمثل جماعته أو فئته أو عشيرته أو دائرته الانتخابية، وهذا النهج بالنتيجة يعزز ركناً آخر من أركان الديمقراطية النيابية وهو ركن استقلال النائب عن هيئة ناخبيه، وهذا ما يترك أثره في فكر النائب والناخب معا، فالنائب سيدرك أنه قد وصل إلى قبة البرلمان بإرادة ناخبين ليس بالضرورة أن يكونوا من عشيرته أومن بقعته أو دائرته الجغرافية، كما أن الناخب ومع تقليص عدد الدوائر الانتخابية سيدلي بصوته بعيدا عن الضغوطات الاجتماعية والمحاصصة القبلية، وهذا سينعكس على جمهور الناخبين حيث أنه سيكون حافزاً للمشاركة بفعالية أكثر لقناعتهم بأنهم سيسهمون في إدارة شؤون الوطن، كما يساهم في إثارة الوعي السياسي والثقافي لدى ذلك الجمهور ويسهم في الانتقال بالولاء من فكرة الولاء للفئة والعشيرة إلى فكرة الولاء للوطن والأمة، كما سيسهم في تربية وتدريب جمهور الناخبين تربيةً وتدريباً سياسيّاً على ممارسة الحق الدستوري في الانتخاب، وبالنتيجة فهو نهجٌ يساعد على تقوية البنيان السياسي للدولة، ويدفع نحو قدرتها على تجاوز المحن والصعاب سواء أكان ذلك في الظروف العادية أو في الظروف الاستثنائية.

وما نتمناه هو أن يُقْبل الأردنيون على ممارسة الحق الدستوري بموضوعية وصادق نية بعيداً عن الانتماءات الضيقة وأن يجعلوا من مصلحة الوطن العليا المقصد والغاية، فالوطن سيلعن مجددا من يسيء استخدام حقّه الدستوري، كما أنه لا منطق سليم ولا خلق قويم مع أن يدلي الناخب في صندوق الاقتراع بصوته في صباح يوم الاقتراع ويلعن إرادته في مساء ذلك اليوم.
حفظ الله الوطن أرضاً وقيادةً وشعباً، والله وليّ التوفيق والقادرعليه.