عاجل
0020
moasem
sum
003
004
006
007
008
Bash
Hofa
Diamondd
previous arrow
next arrow

د. يوسف العجلوني يكتب .. كم هو رصيدك ورصيد من هم حولك من الهبل ؟

كتب. د. يوسف العجلوني
 يقال عن الإنسان ‘أهبل’ عندما يكون ذو لغة متقطعة، ومعلومات قليلة، وذاكرة ضحلة، وتفكير بسيط ومحدود، وقليل التبصر بالأحداث والمتغيرات، ويصدق كل ما يقال له، ويقوم بتكرار العمل بنفس الطريقة والخطوات، ويتوقع نتائج مختلفة عن سابقتها، ولا يستطيع أن يقتنع أن المشكلة عنده. ومن هنا الهبل ممكن أن يعني عدم الوقوف على حقيقة الأمر، وعدم القدرة على فهم أو تفسير الأسباب غير المرئية التي تقف وراء الظواهر. ‘الأهبل’ ممكن أن يعني الإنسان ذو العقل الغير قادر على التوقع. وقد يعني أيضاً الإنسان الذي يقوم بفعل غير عقلاني أو سخيف أو ساذج. الهبل ممكن أن يعني عدم التركيز، أو التصرف غير المألوف. الهبل ممكن أن يكون بساطة تفكير، أو الإفتقار إلى الذكاء والحكمة والحنكة. الهبل قد يعني عدم القدرة على التفسير والتأويل والتحليل والتركيب والاستدلال والاستنتاج. الهبل ممكن أن يعني عدم متابعة الإنسان للأمور من حوله، فالأهبل هو الذي يسير بعفوية ونية طيبة.
قد تستدل على وجود الهبل في شخصية معينة وذلك من الوهلة الأولى والنظرة الأولى دون الحاجة لدراسة عميقة، ودون الحاجة لمزيد من التجارب والمواقف والخبرات. بعض الملامح قد توحي بسهولة ووضوح بوجود نوع من الهبل عند بعض الأشخاص. كذلك يمكن أن يتم تقييم نسبة ونوع الهبل في شخص ما من خلال تصرفاته وحركاته أثناء النشاطات التي يقوم بها: طريقة الكلام والأكل والمشي، وردود الفعل في المواقف الانفعالية سواء كانت إيجابية أو سلبية، وطريقتة بالتعبير عن الحزن والفرح.
يعتبر الهبل من العوامل الهدامة التي تواجه المجتمعات، والتي تتسبب في أضرار هائلة على الصعيد الفردي، والمجتمعي: الهبل ممكن أن يتسبب للأشخاص بفقدان عملهم. الأهبل لا يكترث بأمور السلامة، وقد يتسبب بإحداث الحرائق والكوارث. الهبل يجعل الإنسان غير قادر على تطوير نفسه. الهبل يؤدي إلى صعوبة التمييز بين الخطأ والصواب. الهبل من الأسباب المؤدية للفقر. الهبل يؤدى إلى عدم القدرة على الانسجام مع الآخرين. الهبل يؤدي إلى حدوث أزمات في العلاقات المهنية والاجتماعية، وقد يؤدي إلى الجهل بطرق الوقاية من الاصابة بالأمراض. الهبل ممكن أن يؤدي إلى خسائر للشخص نفسه أو لمن حوله من الناس، وممكن للأهبل أن يخسر حياته في مشاجرة، أو يعضه كلب مسعور، أو يعقطه حمار، أو تلدغه حية سامة، أو تدعسه سيارة أو يقع في البير.
أي شخص ممكن أن يتصف بالهبل في بعض الأحيان، مهما كان علمه أو ذكاؤه أو منصبه، ودون أن يلاحظ هو ذلك. الهبل ممكن أن يظهر كأنه غباء، وممكن أن يكون موجود عند كل واحد منا أحياناً، ودرجة الهبل تختلف من شخص إلى آخر.
الشخص الأهبل ممكن أن يضع نفسه في موقف يصعب تفريقه إن كان ‘أهبل حقاُ’ أو ‘يستهبل’ أو ‘مأفون’ أو ‘أبله’ أو ‘أحمق’ أو ‘غبي’ أو ‘معتوه’، أو ‘ضعيف العقل أو ‘مجنون. وكل واحدة من هذه الحالات لها صفات قد تتقاطع مع غيرها في الوصف والعلامات، وفي معظم الأوقات التعامل معها وعلاجها يعتمد على نوع الحالة وشدتها، حيث أن أسهلها الهبل وأصعبها الجنون.
في بعض الأحيان والمواقف، يظهر لنا أن العديد من الناس مصابة بمرض الهبل وهي لا تدري، وعندهم أعراض يدركها من حولهم. والأهبل لا يشعر بأي شيء إطلاقاً، وينكر أي أعراض للهبل، ولكن يلاحظ عليه هبوط مستوى التفكير، وارتفاع في درجة الغباء العام، والجهل بأشياء بديهية، والثقة المفرطة. والأدهى من ذلك أن هذا الأهبل يعتقد أنك أنت الأهبل، وتضيع الأمور وتختلط، ولا يعرف الآخرون وهم من بعد من هو الأهبل؟
الهبل مرض معدي، وممكن أن يعديك في مرحلة ما وذلك يعتمد على تكرار تعاملك مع المهابيل، فالهبل ينتشر بين الأفراد ذوي الظروف المشتركة، ويكثر في العائلات والمناطق التي تتقارب بالمسافة أو الفكر.
هنالك علامات ممكن بها أن تحدد الأهبل وإلى أي درجة هو غاطس بالهبل: مثل الثقة الزائدة بالناس. التبعية للآخرين ومسايرتهم طواعية باطناً وظاهراً، والإنقياد لهم، والتسامح والعفو الزائد حتى مع من لا يستحق ذلك، وسهولة التأثر بآراء الآخرين والاقتناع بها دون تمحيص، وتقبل انتقادات الآخرين له وإن كانت خاطئة وفي غير محلها، والمبالغة في الصراحة والإفصاح عما في النفس دون وضع حدود للردع في حالة الإساءة من الآخرين أو الخروج عن الخط.
هنالك أنواع مختلفة من الهبل: الهبل العابر: وكل إنسان ممكن أن يمر بهذه الحالة ويشفى منها بعد مدة. الهَبَل البسيط: وهو أن يكون الشخص أهبل وتظهر عليه جميع علامات الهبل، ويلاحظها عائلته والمقربين منه فقط. الهبل المعتبر: وهو أن يكون الإنسان أهبل وينشر هبله على كل من يعرف أو يتعامل معه. الهبل المركب: أن يكون الشخص أهبل ولا يدرك أنه أهبل، والجميع يعرف ذلك، ولكن يتحنبوا إخباره. الهبل الاستثنائي : أن يكون الشخص أهبل ومش عارف إنه أهبل وطالع فيها مفكر حاله أبو العلم والمعرفة. الهبل الخارق: أن يكون الشخص أهبل ومش عارف أنه أهبل ومفكر حاله عبقري ومقتنع أن الناس مبهورين بمستوى الذكاء تبعه، ويتمنوا التعامل معه والإستفادة من انجازاته ويقوم بتقييم الآخرين، ويصدر أحكاماً عليهم.
الهبل المركب والاستثنائي والخارق ممكن أن يظهر بعدة صور وأشكال؛ ممكن أن يظهر صاحبه بقمة السيطرة ويعتقد أنه قادر على القيام بأشياء تتجاوز قدرته الفعلية، وهنا تلاحظ عليه قدر ليس بقليل من الحمق أيضآ. ممكن أن يظهر في حالة من انعدام السيطرة والرعونة، وهنا يكون يعاني من الهبل والحمق والغباء والعته ونقص العقل، وهنا تكون النتائج خطيرةٍ على كل من يتعامل معه. ممكن أن يظهر في حالة من الغياب عن الواقع وعدم القدرة على الإنتباه لما يحصل، ويفشل في آداء أي مهمةٍ. وممكن أن يظهر دائم الانشغال بأعمال لا أحد يعرف ماهيتها ولا أهميتها، وهنا يكون الإعتلال الاجتماعي والنفسي. وممكن يظهر بحالة من التغيم الذهني، والنسيان، ونقص المهارات والبلاهة. ممكن أن يظهر أيضاً في حالة من كثرة الكلام، وسرعة تغير المزاح، وعدم السيطرة على ردة الفعل، وهنا يكون الجنون والاعتلال العام والدمار الشامل.
الأهبل يلقي دائماً اللوم بأخطائه على الأشخاص الآخرين، وعلى الأماكن وعلى الظروف، ولا يمكنه تحمل مسؤولية قراراته وفشله، ويستمتع بشعور الشفقة عليه. ويرى نفسه على حق عند النقاش في أي أمورٍ دون أي براهين أو دلائل أو اثباتات. يجد نفسه في الجدال ويستمر به إلى الأبد، ولا يمكنه تغيير موقفه مهما كانت الحقائق، ولا يرى أن الشخص الذي يجادله هو أكثر ذكاءً وكفاءةً. الأهبل يرد على الصراعات المختلفة بالغضب والعدوان، عندما لا تسير الأمور كما يرغب، لأنه لا يستطيع السيطرة على الموقف، ولا يستوعب وجهات النظر الأخرى. الأهبل يظن أنه أفضل من أي شخص آخر، وأنه فوق الجميع دائمًا. الأهبل لا يتقبل أي فكرة جديدة وذلك لمجرد اختلافها عما تعود عليه من أفكار.
الأهبل ممكن أن يكون فاقد البوصلة ويضل الطريق، وليس عنده بعد نظر، ويعلق في وسط النفق، ويرى فقط من الآخرين وجوههم وتصرفاتهم الحالية والآنية، ولا يحاول أن يرى أرواحهم، ولا يعرف ما وراء الأحداث، ولا بين السطور. يعيش في الفراغ، ولا يتعلم من أخطائه، ويرى المستنقعات طرق معبدة وسالكة، ويعمل من البحور مقاثي، ويغرق في شبر ماء.
الأهبل بسبب نقص الوعي الاجتماعي ممكن أن يقوم بتصرفات دون قصد قد تجعل الآخرين يشعرون بالإحباط، ويقضي على الكفاءة والإنجاز، ولا يفهم تأثير كلامه وسلوكياته وأعماله على الآخرين. وتتراكم مشاعره بسرعة وتجعله يشعر بالتوتر والقلق وعدم الراحة فيما ليس له داعٍ. ويريد أن يكون على حق، فيجد نفسه متورطًا في خلافات مع أفراد العائلة والأصدقاء والمعارف. ومن ثم يتصرف ببرود شديد، ولا يعرف ما هو الصحيح الذي يجب قوله أو فعله هنا وهناك، ويفشل في اختيار الوقت والشخص المناسب لقول ما يريد.
ممكن أن يتطور مرض الهبل ويتضخم ويتفاقم، ويخرج عن الخط، وفي مرحلة متقدمة يتحول إلى مرض آخر أخطر وأشرس وهو الاستهبال، وهذا عندما يعمل الإنسان نفسه مصاب بمرض الهبل، ويستغل ذلك في مواقف مختلفة للحصول على منافع أو إزالة ضرر عن نفسه، أو أكل حقوق الآخرين، ويرفع عن نفسه العقاب وممكن أن تتعاطف الناس معه. أما الاستهبال فهو دهاء وتمثيل ومكر ونذالة وادعاء الهبل لتبرير أشياء سيئة ومشينة ومقرفة، ويفلت من العقاب ويستمر في الخداع واستغلال الآخرين.
الصبر والتسامح والطيبة وحسن النية والتواضع في المجتمعات الذي يكثر فيها التنمر والتغول واستغلال الآخرين ممكن أن تُفسر أنها ضرب من الهبل، لأنك تتسامح وترضى وتتنازل عن حقك احتراماً للقرب والأخلاق والإنسانية، وذلك ممكن أن يجعل بعض الناس يصفونك بالأهبل، وكذلك يساعد الشخص المخطئ على المزيد من ارتكاب الأخطاء مع الآخرين، ولذلك يجب أن يكون التسامح والطيبة وحسن النية والتواضع والتحمل ضمن حدود، وللأشخاص الذين يستحقون كرماً منك، تمنحها لهم لتغيير سلوكهم المجحف ورد الحقوق إلى أصحابها، وإذا لم يفعلوا ذلك، فستجد نفسك أمام الحل الثاني، وهو أن تقف وقفة عقلانية ومنطقية وحازمة، وتواجه المخطئ بأخطائه ولا تتردد بالحل الجذري وهو أن تأخذ الحق كاملاً، ولك الحق أن تنهي التعامل والعلاقة معه دون ظلم أو انتقام، “فالقوي لا ينتقم وإنما يعيد الأشخاص غرباء كما كانوا”، وهذا أيضاً فيه معنى من معاني العفو والتسامح الصارم.
كيف يمكن أن نعالج الأهبل؟ في الكثير من الأحوال لا ينجح العلاج، لأن الأهبل لا يتقبل العلاج أو لا يلتزم به، أو لا يعتقد أنه بحاجة لعلاج، أو لأنه لا يفسر هبله مرض، أو لأنه لا يكترث بالآخرين، أو لأنه مجبول على ما يقوم به. ولكن الصحيح إذا كان الظرف مناسباً، يجب محاولة علاج الشخص الأهبل من خلال تبصيره بماهية الهبل، وأنه يختلف عن حسن الظن، وارشاده إلى تبعات الهبل، وما يترتب عليها من مشكلات ومضاعفات متنوعة وهدامة، ومحاولة تعليمه وتدريبه عل تطوير ثقته بنفسه، وممارسة المهارات الإجتماعية المتنوعة بطريقة صحيحة، وتعريفه على أنواع وطباع الناس وصفات شخصياتهم ليستطيع أن يميز بينهم، ويتصرف معهم ويظهر لهم ما يجب كما تستحق الأمور والمواقف والنفسيات.
د. يوسف العجلوني